تفاعلت في اليومين الأخيرين مشكلة الاعتداء على حرج «قطمون» الواقع على الحدود اللبنانية الفلسطينية، في خراج بلدة رميش (بنت جبيل)، إلا أن محاولات توظيفها السياسية وضع حداً لها الاجتماع الأمني الذي عُقد أول من أمس في بلدية رميش، وأكّد أن «المشكلة فردية، سببها يعود إلى منع شابين من التعرّض للأشجار الحرجية في المنطقة» بحسب رئيس بلدية رميش ميلاد العلم. يشكو الرجل من «ازدياد عمليات قطع أشجار الأحراج في البلدة منذ ارتفاع ثمن المازوت، العام الماضي، وتُركت البلدية وحيدة في مواجهة المعتدين، ولم نحصل على أيّ تعاون من وزارة الزراعة أو حتى من القضاء لمواجهة المعتدين»، مؤكداً أن «مئات الأشجار المعمّرة قُطعت خلال الأشهر الماضية». ليس حرج قطمون وحده الذي يتعرّض إلى هذه الاعتداءات، إلا أن مكان قطع الأشجار هذه المرة كان في منطقة قريبة جداً من الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث يقع أحد مراكز «جمعية أخضر بلا حدود»، المنتشرة في عشرات الأماكن الحرجية على الحدود بهدف «منع قطع الأشجار الحرجية، التي تشكّل، إضافة الى فوائدها البيئية، عائقاً لأي عمل عدواني من الجيش الإسرائيلي» بحسب أحد العاملين في الجمعية. ويؤكد أن عناصر الجمعية عمدوا عشرات المرّات إلى منع المعتدين على الأحراج من الاقتراب إلى أكثر من نقطة حدودية مثل حرج منطقة المنارة الحدودية الواقع بين ميس الجبل وحولا (مرجعيون)، والأحراج الملاصقة للحدود في عيتا الشعب والبياض وغيرهما.

بعيداً عن الحدود
لكن مشكلة قطع الأشجار تزداد وتتفاقم أيضاً في الأماكن البعيدة نسبياً عن الحدود، حيث تنعدم الرقابة أو تتضاءل، رغم أنه يسهل كثيراً تصوير الاعتداءات التي تطاول الأحراج والأشجار المعمّرة، كما يسهل توجيه الاتهامات إلى الدولة العاجزة حتى عن ملاحقة المعتدين، الذين يخال للبعض أنهم مجهولون، ويعملون سراً بشكل لا يمكن اكتشاف أمرهم. بينما، وبسهولة مطلقة، يمكن لأي شخص استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومحرّك «غوغل» للاتصال بتجار الحطب المنتشرين في معظم القرى والبلدات المحاطة بالأشجار والأحراج.
أحد هؤلاء من بلدة بيت ليف، قال إنه «جاهز لبيع أكثر من ستة أمتار من خشب السنديان الأخضر، بثمن لا يقلّ عن مليونين وثمانمئة ألف ليرة لكلّ متر مربع واحد، وجاهز لتأمين المزيد وحسب الطلب»، فيما يعلن آخر من منطقة مرجعيون عن «بيع المتر الواحد من حطب السنديان بثلاثة ملايين ليرة». إذاً، يجري التواصل مع هؤلاء التجار بشكل علني، كما تنتشر صور الاعتداءات على أحراج بيت ليف، زبقين، ياطر بشكل يومي، ورغم ذلك لا يحرّك مأمورو الأحراج والقوى الأمنية ساكناً للحدّ من هذه الاعتداءات.

محميّة وادي الحجير
قبل أيام، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأكوام من حطب أشجار السنديان المعمّرة داخل محمية وادي الحجير الطبيعية، مرفقة بردود مندّدة بالاعتداءات على المحمية. وهو أمر تكرّر كثيراً خلال الأشهر الفائتة، ويؤكد عدد من أبناء المنطقة لجوء عدد من تجار الحطب الجدد إلى قطع مئات الأشجار المعمّرة، خلسة وعلناً، من دون أي رادع.
يوجد ثلاثة موظفين في محمية وادي الحجير وهذا عدد غير كافٍ لحمايتها


يقول علي ملحم (مجدل سلم) إنّه شاهد بنفسه خلال الأيام الماضية «جذوع أكثر من 250 شجرة من أشجار السنديان والملول الكبيرة والمتوسطة الحجم داخل المحمية، قُطعت حديثاً». ويؤكد أن قطع الأشجار «بات يحصل بشكل يومي، ومنظّم. هناك عدد من الأشخاص المعروفين، والذين يسهل تحديد هوياتهم، يدخلون الحرج ليلاً ويخرجون الحطب ويبيعونه علناً». ويلفت الى أن «ذلك بارز في أكثر من مكان داخل المحمية، ولا سيما في خراج بلدات مجدل سلم، طلوسة ومركبا». يستغرب ملحم كيف «تمّت ملاحقة أشخاص يجمعون الحطب اليابس، فيما يجري تجاهل الذين يقطعون الأشجار من عروقها». يعزّز هذا الكلام فرضية وجود حماية للمعتدين، كما يؤكد الناشط البيئي طارق ياسين مشيراً إلى «حداثة عملية قطع عشرات الأشجار المعمّرة رغم كل الإجراءات التي قامت بها القوى الأمنية ومأمورو الأحراج وإدارة المحمية». ويشير إلى أن «تجار الحطب في المنطقة معروفون بالأسماء».

ملاحقة المرتكبين
توجيه الاتهام بالتقصير وتغطية المعتدين، واجهته بلدية مجدل سلم ببيان أكد «وجود تعدٍّ جائر، غير مسبوق، عبر قطع أشجار السنديان»، مع تأكيدها أن «متابعتها، أدّت الى تحرّك مصلحة الأحراج ووزارة الزراعة والأجهزة الأمنية بالتعاون مع محمية الحجير، من خلال رفع دعاوى جزائية على من سوّلت له نفسه ارتكاب هذه الجرائم».
وفيما يشير رئيس بلدية مجدل سلم علي تامر ياسين إلى «قطع ما لا يزيد على 70 شجرة سنديان في الأيام الأخيرة»، يؤكد لـ»الأخبار» أنه ستجري ملاحقة أكثر من 15 شخصاً مشتبهاً بهم»، رافضاً «توجيه الاتهامات إلى مصالح سياسية، وكلّ من يعرف أحداً من المعتدين يجب أن يبلّغ عنه». بدوره يقول المحامي حسن عادل بزي إنه قدّم لمحافظ النبطية «اسم متورّط أساسي بالاعتداء على أشجار المحمية».
بدوره يؤكد رئيس لجنة محمية الحجير أحمد زراقط على «ملاحقة المعتدين، بالتعاون مع القوى الأمنية، بعد إبلاغ وزارة الزراعة ومديرية التنمية الريفية» مؤكداً أنه قبل عدة أشهر «تمّ تجريم عدد من الأشخاص». لكنه يشير في المقابل إلى «وجود ثلاثة موظفين فقط داخل المحمية، لمراقبة الاعتداءات، وهذا غير كافٍ، رغم أن إدارة المحمية تقدّم الدعم اللازم لهم بالتعاون مع الاتحاد، علماً أن إدارة المحمية لم تحصل منذ ثلاث سنوات على حصتها المالية من وزارة الزراعة، والتي تبلغ 80 مليون ليرة سنوياً».
ويشير زراقط إلى «وجود مخالفات وتجاوزات أدّت الى قطع عدد من أشجار المحمية من قبل عدد من أصحاب المنتزهات». مؤكداً أن «عدداً كبيراً من أصحاب المنتزهات خالفوا قانون المحمية، من ناحية البناء، وقطع الأشجار، إضافة الى المفرقعات والأصوات المرتفعة التي تصدر من منتزهاتهم ليلاً ونهاراً أثناء الأعراس والمناسبات التي تزعج مئات الحيوانات وتساهم في انتشار الحرائق».