تتعدّد الأسباب التي يسوقها أهالي قرى قضاءي مرجعيون وبنت جبيل لأزمة المياه الخانقة التي يعانون منها منذ نحو شهر. انقطاع الكهرباء، التعطيل في مصلحة المياه، طمع أصحاب المنتجعات السياحية، وأصحاب الصهاريج. طبعاً تقف الدولة خلف كلّ هذه الأسباب لعجزها عن القيام بواجباتها، فيما يحاول الأهالي تدبير أمورهم... بالتخلي تباعاً عن أبسط احتياجاتهم بدءاً من الخضار المزروعة في حواكير البيوت، وصولاً إلى الزراعات المثمرة التي تعتمد على الريّ. «أزمة المياه غير جديدة ، لكنها اليوم فاقت كل التوقعات» يقول المزارع حسن سرور، ابن بلدة عيتا الشعب (بنت جبيل) «فانقطاع الكهرباء وغياب المتابعة، أديا إلى توقف المياه بشكل شبه دائم بعدما كانت تصلنا نحو يومين في الأسبوع». ويلفت إلى أن «هذه الأزمة حرمت الفقراء قبل غيرهم، لأن الأغنياء قادرون على تأمين المياه من خلال شرائها من أصحاب الصهاريج أو بطرق غير قانونية بعد دفع الرشى للموظفين الفاسدين». مؤكداً على أن «المتابعة لم تعد تجدي نفعاً، لأن معظم الموظفين باتوا لا يخدمون إلّا من يدفع لهم الإكراميات لسدّ حاجاتهم. الحلول متوفرة فقط للميسورين ولأصحاب القصور والمنتزهات».

(الأخبار)

ويؤكد أحد الموظفين على ما يقوله سرور معيداً السبب إلى «غياب المتابعة من قبل المسؤولين في مصلحة المياه، فالمدير العام غائب كلياً بما أنه خارج لبنان، والموظفون لا يستطيعون التنقل وتحمّل المسؤولية لأن أجورهم لا تكفي لأسبوع واحد، إلّا إذا كان صاحب الحاجة من المقتدرين الذي يؤمن احتياجاتهم».

الطيبة عطشى
تحتضن الطيبة «مشروع مياه» مؤلّف من عدد من البرك التي تضخّ إليها المياه من نهر الليطاني (أسفل الوادي)، ومنها إلى معظم قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون. رغم ذلك، يعاني أبناؤها من انقطاع المياه أيضاً منذ أكثر من شهر. يقول حسن أبو طعام «معظم أبناء البلدة والبلدات المجاورة، وللمرة الأولى منذ عشرات السنين، يشترون المياه من أصحاب الجرّارات وناقلات المياه. وهؤلاء يستغلون حاجة الأهالي، فيرفعون الأسعار، حتى وصل ثمن نقلة المياه الصغيرة إلى 25 دولاراً، وهي لا تكفي حاجة أسبوع واحد». في المقابل، يلفت إلى «من تؤمَّن لهم المياه سرّاً لملء مسابحهم وريّ حدائقهم، كما عمد بعض كبار الأغنياء إلى حفر الآبار الارتوازية الخاصة، بشكل مخالف للقانون، وهم بذلك ساهموا في جفاف الينابيع، خاصة في محمية وادي الحجير».

خسارة المزروعات
هذه الأزمة دفعت بالمزارع حسن حمود إلى الاستغناء عن ما زرعه من شتول الباذنجان والحرّ والبقدونس والخس وغيرها، «لأنها تحتاج إلى الريّ المتواصل».
ويقول محمد شيت، أحد كبار المزارعين في منطقة الوزاني، إن «أزمة المياه أدّت إلى القضاء على أكثر من 50% من الحواكير المنزلية، أما كبار المزارعين فقد بدأوا بالاستغناء عن الزراعات التي تحتاج إلى الريّ، والتركيز على الزراعات البعلية وزراعة الحبوب». خلال السنوات الماضية، استثمر محمد شيت، ما جناه خلال سنوات هجرته الطويلة في ألمانيا، في زراعة الخضار والفواكه في أكثر 500 دونم من أراضي الوزاني. لكن هذه الزراعة تقلّصت إلى النصف، وسيعمد في العام القادم إلى «قطع مئات أشجار النكترين والدرّاق، لزراعة القمح الذي لا يحتاج إلى الريّ».
ورغم أن أراضي الوزاني لا تبعد أكثر من 500 متر عن نهر الوزاني، إلّا أن المزارعين ممنوعون من استخدام مياه النهر، ويعتمدون في الريّ على الآبار الارتوازية، التي باتت تحتاج إلى كميات كبيرة من المازوت يومياً لضخّ المياه. يقول شيت «أحتاج إلى 28 مليون ليرة شهرياً لشراء المازوت لريّ 20 دونماً فقط من الخضار، أما مياه الوزاني فهي ممنوعة على المزارعين، والدولة غائبة كلياً عن ابتكار مشاريع لجرّ المياه إلى آلاف الدونمات لمساعدة المزارعين وتحريك العجلة الاقتصادية في المنطقة».

سرقة المياه في الخيام
في سهل الخيام لم تتأثر الأراضي الزراعية بأزمة المياه، لأنها تستفيد من مشروع ريّ نبع الدردارة. يقول رئيس تعاونية إدارة مياه نبع الدردارة جهاد الشيخ علي: «إن التعاونية استطاعت تأمين الريّ لجميع أراضي السهل، وتعمل على توزيعها بشكل عادل يتناسب مع الأراضي المزروعة، علماً أن التعاونية تحصل على مبلغ 150 ألف ليرة عن كلّ دونم أرض، يحصل صاحبه على مياه الريّ، بهدف تأمين أتعاب نواطير السهل والمعدات اللازمة للريّ». لكنه يلفت إلى مشكلة «الاعتداء على أراضي السهل، من قبل عمّال سوريين، يعملون على زراعة الأراضي سرّاً، ويحصلون على المياه خلسة وبالمجان، ثم يبيعون الإنتاج بأسعار متدنية». ورغم وجود النواطير، «فإن أراضي السهل وشبكة المياه تتعرّض إلى السرقة والاعتداءات المتكرّرة».
تتعدّد الأسباب من الكهرباء إلى الإضراب وصولاً إلى أصحاب الصهاريج


ورغم توفر المياه في السهل، إلا أن جرجس ظاهر قلّص زراعته إلى أكثر من النصف، «بسبب كلفة الأسمدة والمبيدات الزراعية»، لافتاً إلى أن عدد مزارعي السهل تراجع بنسبة كبيرة للأسباب نفسها.

لا صيانة للأعطال
يوضح رئيس اتحاد بلديات جبل عامل، علي طاهر ياسين أن «مضخات المياه الخمسة التي تضخّ المياه إلى مشروع الطيبة ضعيفة وتتعطل باستمرار، وشركات الصيانة المتعاقدة مع مؤسسة مياه لبنان الجنوبي توقفت عن العمل»، لافتاً إلى أن «اليونيسف توقفت هذا العام عن صيانة الأعطال التي تتعرّض لها المضخات وشبكة المياه، ما ساهم في زيادة حصار الأهالي في الوقت الذي باتت فيه البلديات والاتحاد عاجزين عن دفع الأموال بسبب ارتفاع الدولار، ورغم ذلك فإننا نتابع الموظفين بشكل دائم». ويشير إلى عدم القدرة على تشغيل الآبار الارتوازية «بسبب غلاء المازوت، لذلك عمدت بعض البلديات، وبمساعدة المتموّلين والأغنياء، إلى تأمين الطاقة الشمسية لضخّ المياه من الآبار». ويسعى الاتحاد إلى الحصول قريباً على قرض مالي من الصندوق الكويتي للتنمية بقيمة 62 مليون دولار، لكن هذا لا يلغي ضرورة أن «تتوقف التعديات على شبكة المياه، متابعة الموظفين، وتوقف أصحاب المنتجعات والمسابح عن الحصول على المياه من حساب الأهالي والمزارعين».