بدأت البلدات الحدودية الجنوبية تشهد اعتصامات وقطع طرقات بسبب تفاقم أزمة المياه. أهالي بلدة حولا نفّذوا أمس وقفة احتجاجية مطالبين بإيجاد حلّ جذري للأزمة المزمنة.
ومع اشتداد حرارة الصيف وبدء جفاف آبار المنازل وحرمان معظم المزارعين من مياه الريّ، تفاقمت أزمة المياه في القرى والبلدات الحدودية. وهي تتكرّر كل عام بسبب التأخر في معالجة أسبابها وأولها «الاعتداءات على شبكة المياه الرئيسية، ولا سيّما في منطقتي الوزاني وبنت جبيل»، بحسب مصدر في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي. تلك التعدّيات «حرمت مئات الأهالي من مياه الليطاني والوزاني»، برغم مشاريع ضخّ المياه التي تُنفق عليها المليارات منذ تحرير الجنوب عام 2000.

مشروع الوزاني يؤمّن لأبناء المنطقة أقلّ من سبعة ملايين متر مكعّب سنوياً، يشمل ما يتمّ سحبه من أكثر من 12 بئراً ارتوازية. فيما كان يفترض أن يؤمّن ريّ 675 هكتاراً مع تأمين مياه الشفة لأربعين ألف مقيم.

في النتيجة، يقلّ حجم المياه المتوافر في المنازل عن الحاجة. ويشكو المواطن موسى شعيتو، ابن بلدة الطيري (بنت جبيل)، من «انقطاع المياه عن البلدة منذ الصيف الماضي، رغم أنّ نواب المنطقة، أثناء حملاتهم الانتخابية، وعدونا بتأمين المياه في أسرع وقت ممكن». بينما يعتبر المزارع طارق ياسين (مجدل سلم) أنّ «ما تمّ إنفاقه على الحملات الانتخابية كان من الممكن استخدامه لتأمين ضخّ المياه إلى كل البلدات، ويحقّق النتيجة نفسها أو أكثر».

وأكد المصدر في مؤسسة المياه أنه «لسبب غير معلوم لا يتمّ تشغيل إلاّ مضخّة واحدة في مشروع الوزاني. أما المياه التي يتمّ جرّها عبر أنبوب بحجم 12 إنشاً فيتمّ سحب أكثر من نصفها أيضاً لمصلحة بلدات محظية دون غيرها في قضاء مرجعيون، وذلك بعد أن تمّ تهديد موظفي المصلحة مراراً خلال محاولتهم تحويل المياه إلى باقي بلدات المنطقة، وهي كمية تكفي لتأمين المياه الوفيرة لأكثر من بلدة». وأشار إلى أنّ «نسبة كبيرة من هذه المياه أيضاً تُسحب لصالح أشخاص محدّدين بينهم صاحب مجبل وكسارة تصل إليه المياه بشكل دائم بقوة ضخّ كبيرة جداً».

منذ عام 2018 توقفت أربع مضخات حديثة للمياه عن ضخّ المياه إلى خزانات مشروع الليطاني التي تغذي أكثر من 40 بلدة في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون، بسبب انتشار المرامل وتلوّث المياه بالصرف الصحي، ما اضطرّ مؤسسة مياه لبنان الجنوبي لإعادة تشغيل مضختي مياه قديميتين يمكن أن تؤمّن 6000 متر مكعب من المياه كحد أقصى، بعد أن كانت المضخّات الأربع المتوقفة تؤمّن حوالى 25 ألف متر مكعب من المياه. وبحسب دراسة خاصة لاتحاد بلديات جبل عامل، فإنّ محطة الضخ في الوزاني تنقسم إلى قسمين: «القسم الأول في منطقة النهر، يتمّ سحب المياه منه بواسطة مضختين متوقفتين في أغلب الأحيان بسبب انقطاع الكهرباء والتعديات على الشبكة. والثاني في منطقة الميسات وفيها خمس مضخات صغيرة وخزان مياه متداعٍ مهدد بالانهيار».

ومن أسباب أزمة المياه جنوباً، مخالفات بعض الموظفين. وبحسب أحد الموظفين المتقاعدين فإنّ «موظفاً معروفاً بفساده عمد يوماً إلى تعليق لافتة على مفرق حي للمغتربين في بنت جبيل، كتب عليها أنّه يُمنع على موظفي مؤسسة المياه الدخول إلى هذا الحيّ بأمر من جهاز أمن الدولة، وكان يهدف إلى منع غيره من الموظفين من الدخول إلى هذا الحي، كي يتمكّن وحده من الحصول على الإكراميات والرشى من الأغنياء، وبعد أن تمّ توقيفه، أُطلق سراحه بدعم من أحد المسؤولين». ويذكر الموظف المتقاعد أنّ «انتشار الرشى هو سبب من أسباب حرمان الفقراء من المياه».

ومن المشاكل المستجدّة «إعادة توزيع المياه على البلدات بشكل غير منظّم، وبحسب مصالح المسؤولين، إضافة إلى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي». ووفق المصدر، فإنّ «بنت جبيل تستفيد لمدة أربعة أيام من المياه، بينما جاراتها عيترون وعيناثا وبليدا لا تستفيد إلاّ ليوم واحد، رغم أنّ هذه البلدات هي أكبر حجماً ويعمل أبناؤها في الزراعة، بينما تحظى بلدة في قضاء مرجعيون بحصّة الأسد من الآبار الارتوازية الموجودة في وادي الحجير، والتي أدّى انتشارها بشكل كبير إلى جفاف نبع الحجير باكراً كلّ صيف، بينما تُحرم بلدات أخرى بشكل كامل من المياه، مثل بلدات الصوانة وبرعشيت ومجدل سلم. لذلك تحاول البلديات الاستعانة بالمغتربين والجهات المانحة لتأمين ضخّ المياه من الآبار الارتوازية.

وفي هذا الإطار، زُوّدت البئر الإرتوازية لبلدة تولين (مرجعيون) بالطاقة الشمسية، الأمر الذي أدّى إلى حلّ مشكلة المياه لدى أبناء البلدة، التي يعتمد أكثر من 80% من أبنائها على الزراعة. أما رئيس بلدية مجدل سلم، علي تامر ياسين، فيشكو من عدم وصول المياه إلى البلدة، ويشير إلى أنّ «البلدة باتت تعتمد فقط على مياه البئر الارتوازية، التي لن نتمكّن من ضخ المياه منها هذا الصيف، بسبب انقطاع الكهرباء، ولم تعد البلدية قادرة على شراء المازوت لضخّ المياه».