شهر تماماً يفصل بين نشر «الأخبار» تقريراً تودّع فيه البحّار نعيم سبليني، على لسان ولديه حسن وخليل، وبين وفاتهما أمس في الانفجار الناجم عن خلط مواد كيماوية تُستخدم للتفجير خلال صيد الأسماك. يومها، تحدّث الرجلان في ساحة العزاء التي أقيمت لوالدهما في بلدة السكسكية عن مهنة الصيد التي تعلماها على يديه. الساحة نفسها تحضرت أمس لاستقبال العزاء برحيلهما. صحيح أن المقال كان عن الوالد ولكن حسن وخليل سكبا من روحهما فيه، واختلطت قصص الوالد مع مغامراتهم سوياً في البحر. تحدّث عضو نقابة الصيادين والابن البكر حسن فيه عن تعلّقه بالبحر ومهنة صيد السمك منذ أن كان في عمر السابعة. ولم يخف خليل حماسته الشديدة في سرد حكايا والده وجده في البحر. إرث عظيم، صيدٌ وفير، عمليات إنقاذ، أمواجٌ متلاطمة، شمس حارقة، وتعبٌ كثير... لخّص حسن وخليل، «شهيدا لقمة العيش»، كما نعتهما بلدتهما، حصيلة أعمار قضوها في البحر. ولم يعلما أنهما سيكونا آخر ضحاياه، وعلى البرّ... بسبب الصيد عبر الديناميت.
ضحايا بالعشرات
من المعروف أن صيد الأسماك عبر الديناميت يكثر في لبنان، وعادة ما يقوم الصيادون بخلط مواد كيماوية وتفجيرها تحت الماء من أجل صيد عدد أكبر من الأسماك. ولكن بقدر ما يحصد الديناميت الأسماك فإنه حصد ويحصد العديد من الضحايا الذين يشتغلون به. مئات الضحايا في لبنان، والعشرات في منطقة ساحل الزهراني، تتراوح إصاباتهم بين بتر الأصابع أو بتر الأيدي، وصولاً إلى الخسارة الأكبر التي تمثّلت أمس في وفاة الشقيقين حسن وخليل سبليني.
يدرك الصيادون مساوئ الصيد بالديناميت لكنهم يحتاجون إليه


«ضيق الحال» هو ما يجعل صيادي الأسماك يهربون إلى هذه الوسيلة لضمان صيد وفير يؤمّن لقمة العيش في بلد الصعوبات، يقول أحد الصيّادين. وعلى الرغم من معرفتهم حجم خطرها والضحايا الكُثر الذين يحملون أثرها طول حياتهم ويتجوّلون بيننا في الميناء ومنهم من يعمل بيد واحدة «إلّا أن الحاجة تبرّر الوسيلة في حالتنا». ويلفت صيّاد آخر إلى أنّ «التفلّت الأمني خلال الأحداث اللبنانية والحروب الإسرائيلية على لبنان سهّلا الصيد بالديناميت والتروبين وانتشارها بين الصيادين وبطريقة عشوائية، وإن كانت تشهد تراجعاً في أيّام السلم والاستقرار الأمني». لا ينفي أن الصيادين يدركون مساوئ هذه التقنية في الصيد، عليهم وعلى الحياة البحرية «لكنهم لا يأبهون بسبب الحاجة إليها، ومن دون تأمين وسائل دعم لعمل الصيادين ووسائل بديلة تؤمن لقمة عيشهم سيبقى الصيد بالديناميت ملجأ الصيادين للصيد الوفير».