يحضر الحبّ وحده هذا العام من دون عيده النمطي الذي اعتدنا عليه. لم تعد مقولة «عيد بأية حال عدت يا عيد» تجدي نفعاً لأنّ الحالة باتت معروفة: تبدّلٌ في العادات والتقاليد التي يتّبعها «العشّاق» لصالح الاقتصاد والاستغناء عن الكثير من الهدايا بينها الورد في ظلّ الغلاء المستشري والجيوب الفارغة أو بالمعنى الأدقّ «المنفّضة». فالاحتفال بهذا العيد صار يتطلّب ميزانيّة مدروسة بدقّة تناسب الإمكانات الماديّة. وبين واقعَيْ «لا تشمّ خوفاً من كورونا» و«شمّ من بعيد خوفاً على الجيب»، نزف قطاع الورد بعدما نخزته أشواك الأزمتَين الصحية والاقتصادية، وتخلّى الكثيرون عن إهداء باقة ورد في هذه المناسبة وغيرها، على اعتبار أنّها تندرج في خانة الكماليّات وأصبحت باهظة الثمن.
«الوردة الواحدة تُباع بما يتراوح بين 2 إلى 3 دولارات»، يقول رئيس نقابة أصحاب المشاتل والأزهار الياس كامل، ويشرح إلى «الأخبار» أنّ «في لبنان 84 مشتلاً لزراعة الأزهار على أنواعها، و26 مشتلاً مخصصّاً لزراعة الورد فقط تتوزّع على مناطق في البترون وجبيل والجنوب، بين الساحل والمناطق الجبليّة حيث يعدّ الإنتاج حالياً شبه معدوم بسبب الجوّ البارد والثلوج».

وبالتالي، يُشير كامل إلى أنّ «الإنتاج المحلّي من الورد لا يكفي سوى 2 إلى 4 في المئة كحدّ أقصى من حاجة السوق». من هنا، فإنّ «لبنان يستورد من كينيا، الهند، إثيوبيا، هولندا وغيرها الكميات الباقية التي يحتاج إليها، أي ما يقرب من 300 ألف وردة خلال أسبوع، لأنّ الإنتاج المحلّي لا يتعدّى 10 آلاف وردة في الأسبوع». وانطلاقاً من ذلك، يشهد شهر شباط الجاري وآذار المقبل استيراد كميات من الورد يبلغ مجموعها مليوناً إلى مليونَي وردة، غير أنّ نهاية آذار تحمل معها بداية إنتاج محلّي كافٍ تقريباً للاستهلاك المحلّي، لذا تتراجع حينها كميات الاستيراد.

ولكن، لم يسلم هذا القطاع من تداعيات الأزمات، فقد أدّت أسباب عدّة إلى إقفال بين 60 و70% من المشاتل عموماً، ويعدّد منها كامل «تراجع العمل في السنوات الأخيرة منذ بداية الأزمتين الصحية والاقتصادية بين 60 و70 في المئة، مواجهة أصحاب المشاتل مشكلات لجهة استجرار المياه من الآبار الإرتوازية لريّ الشتول في ظلّ انقطاع الكهرباء والحاجة إلى عمل المولّدات والمازوت الذي بات مكلفاً جداً، إضافة إلى تكاليف الأدوية والأسمدة الزراعيّة التي تُدفع بالدولار».

في الإطار نفسه، وتفادياً للإقفال التّام، فرض هذا الواقع على عدد من أصحاب المشاتل التخلّي عن زراعة الورد والأزهار، والتوجّه نحو زراعة من نوع آخر. إذ تُشير ماري، الموظّفة في أحد محالّ بيع الشتول في جبيل إلى أنّ «أزمة كورونا وتخوّف الناس من شراء الورد على اعتبار أنه يمكن أن ينقل العدوى، فضلاً عن تراجع القدرة الشرائية للزبائن وبالتالي انخفاض المبيعات، جميعها عوامل أثّرت سلباً على عملنا، فانتقلنا من زراعة وبيع شتول الورد إلى الاهتمام بزراعة شتول الخضار وبيعها».

وفي السياق، لفتت ماري إلى أنّ العوائق التي واجهها عملهم تمثّلت بارتفاع تكاليف زراعة الورد والأزهار، وكذلك الزينة التي بات سعرها يفوق سعر الوردة، في حين لم يعد باستطاعة الناس صرف أموالهم على الكماليّات كما في السابق.

صاحب محلّ للزينة وبيع الورد والأزهار في عمشيت، شربل العرم، أوضح بدوره أنّ سبب تأثير الجوّ البارد سلباً على الإنتاج المحلّي من الورد يعود إلى أنّ زراعته تحتاج إلى مكان فيه حرارة مرتفعة للحفاظ على لونه الأحمر، بينما ليس لدى معظم المزارعين القدرة المادية التي تُتيح لهم تأمين تدفئة في مكان زراعة الورد، ولا سيّما أنّ ذلك سيكون مكلفاً عليهم أكثر من عمليّة الاستيراد».

ويعدّد أنواع الورد المتوافر في لبنان - والذي يُسمّى وفق مصدر استيراده - من الكيني، الهندي، الإثيوبي، المصري، الهولندي إلى الإكوادوري الذي سجّل استيراده تراجعاً كبيراً في الآونة الأخيرة لأنّ سعره مرتفع، بينما يُعدّ الهندي الأكثر مبيعاً كونه الأقلّ كلفة.

ويُلاحظ العرم، خلال هذا العام، تقبّل الزبائن للأسعار الجديدة، فالوردة حالياً تُباع بعد تغليفها بورقة بنحو 50 ألف ليرة (حوالى 3$ وفق سعر صرف السوق السوداء) والدزينة بين 400 و500 ألف ليرة، بينما كانت الوردة قبل الأزمة الاقتصادية بـ 2$، أي ما يعادل 3 آلاف ليرة سابقاً من دون تزيينها، وبـ5 آلاف ليرة بعد إضافة الزينة إليها.

وعدا تكلفة الوردة، يعزو سبب صعود الأسعار إلى «ارتفاع تكاليف ما يستخدمه في تزيين الورد من نبات أجنبي، أوراق، صناديق وبضائع أخرى، والتي يدفع ثمنها بالدولار وبأسعار مرتفعة بسبب ازدياد تكلفة شحنها من الخارج».

ويتحدّث العرم عن آخر «صيحات الورد»، فقد بات شائعاً منذ الأعوام الأخيرة الماضية، إقبال الزبائن على شراء الوردة المحنّطة التي تدوم حوالى 5 إلى 10 سنوات.

كغيره، يتطرّق إلى الظروف القاسية التي أعاقت عملَه، إذ يقول العرم إنّ المبيعات تأثرت «بجائحة كورونا وما رافقها من إقفال عام في البلد، فعلى الرغم من أننا في تلك الفترة تلقّينا طلبات الزبائن من خلال العمل «أونلاين»، لكنّ ذلك لا يفي بالغرض». ويشرح أنه «عمد في العام الماضي إلى تخفيض كميات الورد التي يشتريها بالعادة، لكنّ ذلك لم يحل دون تسجيل خسارة في حجم المبيعات لأنّ الطلب في مناسبتيْ عيد الحبّ وعيد الأمّ لم يكن كالمعتاد، بل تراجع بنسبة 50%».