اقتراحات عدّة رفعها وزير البيئة ناصر ياسين إلى وزير الماليّة يوسف خليل، في إطار مناقشة بنود موازنة 2022، وحصّة وزارة البيئة منها. بين الاقتراحات فرض رسم قدره خمسة ملايين ليرة على أصحاب المشاريع المقدّمة إلى الوزارة، عن كلّ مشروع يستلزم فحصاً بيئيّاً مبدئيّاً أو تقييم أثر بيئيّ أو تدقيقاً بيئيّاً أو خطّة إدارة بيئيّة، على أن يُخصّص 60% منها تعويضات للموظّفين المكلّفين مراجعة هذه الدّراسات، لقاء عملهم خارج أوقات الدوام الرّسمي. واقتراح فرض رسوم على بعض المنتجات وفقاً لكميّة أو نوعيّة النفايات النّاتجة عن تصنيعها أو استخدامها تطبيقاً لمبدأ مسؤوليّة المنتج، ورسوم لإدارة النّفايات تقسّم إلى رسوم مباشرة للإدارات المحليّة لتغطية كلفة جمع النّفايات ونقلها بطرق فعّالة، وأخرى غير مباشرة للخزينة لتغطية كلفة مرحلة معالجة النفايات الصّلبة والتخلّص النهائي منها، على أن تخصّص هذه الرسوم للإدارات المحليّة التي تتولّى هذه المرحلة كلّياً أو جزئياً تطبيقاً للمادة التاسعة من القانون 80/2018، بإضافتها إلى حصّتها من الصندوق البلدي المستقلّ.كما تمّ اقتراح فرض رسوم لإدارة نوعيّة الهواء لتحقيق أهداف اتّفاق باريس الملحق باتّفاقية الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ (القانون رقم 115 تاريخ 29/3/2019)، والإجازة للحكومة بفرض رسومٍ على السيّارات والمركبات الملوّثة للبيئة، وإعفاء السيّارات والمركبات غير الملوّثة للبيئة، الهجينة منها (hybrid) أو التي تعمل على الكهرباء (full electric) ولا يتجاوز تاريخ صنعها السنتَين، من الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي ورسم التسجيل ورسوم السّير (الميكانيك) لدى التّسجيل للمرّة الأولى فقط، إضافةً إلى اقتراحٍ يُجيز للحكومة فرض رسوم تُحدّد قيمتها والمؤسّسات التي تنطبق عليها وطرق استيفائها بموجب مراسيم تُتّخذ في مجلس الوزراء لتحقيق أهداف قانون حماية نوعية الهواء (القانون رقم 78 تاريخ 13/4/2018)، لا سيّما ما يتعلّق بتشغيل وصيانة الشبكة الوطنية لرصد نوعية الهواء المحيط.
هذه الاقتراحات المتقدّمة بيئيّاً يُفترض، من أجل سلامة البيئة، أن تُستكمل باقتراحات من وزارة الطّاقة تشجّع على إنتاج الطّاقة المتجدّدة وحفظها وعلى البطّاريات المستخدمة في هذا القطاع. إذ إنّ سياسات الطّاقة باتت مواضيع أساسية في موازنات الدول. ورغم أنّ أيّ اقتراحات يُفترض أن تكون من ضمن استراتيجيّة أو رؤية شاملة للتنمية المستدامة، ولقطاع الطّاقة تحديداً، إلّا أنّ الضرورة تقتضي معرفة آخر التطوّرات في عالم الطّاقة المتجدّدة. فتشجيع استيراد البطّاريات الكهربائية، مثلاً، لاستخدامها في السيّارات الكهربائية أو لتخزين الكهرباء المولّدة من الشمس أو الهواء، يجب أن يأخذ في الاعتبار مدى إمكانيّة إعادة تدوير هذه البطّاريات والمواد النادرة التي تُصنّع منها وعمرها الافتراضيّ وكلفتها.
قد نكون تأخّرنا في فتح النّقاش حول هذا التحوّل في قطاعَي الطّاقة والنّقل في العالم، بعد تسارع الإعلانات بين الدّول عن التخلّي عن السيّارات العاملة على الدّيزل والبنزين بين عامَي 2030 و2035، مع توقّع أن تُصبح نصف سيّارات العالم على الكهرباء بحلول عام 2030. إلّا أنّ المخاوف من تحوّل نظام طاقة يتّسم بكثافة استهلاك الوقود إلى نظام طاقة كثيف في استهلاك المعادن النّادرة، يستدعي كثيراً من التأمّل. فمع تطوّر الصّناعات البديلة للسيارات الكهربائية، يزيد الطلب على المعادن النادرة ويرتفع ثمنها. وهنا يصبح التحدي في كيفيّة التقليل ممّا يُستخدم في صناعة البطاريّات من معادن نادرة ومرتفعة الثّمن وأثرها السلبي بيئيّاً… إضافةً إلى إمكانيّة إعادة تدويرها. ويُضاف إلى ذلك تحدٍّ آخر حول الجهة التي ستُفاضل بين فرض نظام إعادة التّدوير، أو ترك الموضوع للسّوق، أو اعتماد نظام الاسترداد ليتحمّل المنتج المسؤوليّة الكاملة بعد البيع ونهاية عمر السّلعة.
إذا كان المستقبل للبطاريّات، كما بات ظاهراً من خلال خطط الدول المصنّعة الكبرى استجابة لمتطلّبات اتفاقيّات المناخ وخفض الانبعاثات من قطاع النّقل وإنتاج الطّاقة، فعلى البلدان المستوردة كلبنان ألّا تكتفي برفع الرسوم الجمركيّة لتشجيع الاستيراد والاستخدام، بل بوضع نظام للمواصفات وآخر للاسترداد. أي بوضع نظام يحدّد مواصفات البطاريّات وعمرها، ونظام لردّ هذه البطاريّات إلى الجهات المصنّعة، إمّا مباشرة أو عبر الوكلاء والتجّار المستوردين، كونها تُصنّف نفايات خطرة. وهذا ما يساهم أيضاً في إلزام المنتج، أثناء التّصميم، على التّصنيع بطريقة يسهل معها إعادة التّفكيك وتوفير مواد نادرة. إذ لطالما اشتكت معامل إعادة التّصنيع من سوء التّعامل مع مواد كالبطاريّات، يجري تلفها عشوائياً ما يلوّث التربة والهواء.
ومعلوم أنّ أنواع البطاريات تلعب دوراً حاسماً في إعادة التّصنيع. فبطاريّات الرّصاص الحمضيّة التي كانت تستخدم بكثرة في السيارات التقليديّة باتت قابلة لإعادة التدوير بنسبة عالية جداً تصل إلى 98%، إلّا أنّها أرخص وعمرها قصير جداً مقارنة ببطاريّات الليثيوم الحديثة الأغلى ثمناً والتي تعمّر بين عشرة وعشرين عاماً. فكيف تتمّ المفاضلة بين هذه الخيارات؟
هنا يأتي دور وزارة الطّاقة التي عليها أن تسرّع مشاريع قوانين متعلّقة بحفظ الطّاقة وإنتاج الطّاقة المتجدّدة والنظيفة ووضع المعايير للمعدّات والتكنولوجيّات ذات الصّلة وتشجيع توطين التكنولوجيا الخضراء.
أمّا رفع الرّسوم الجمركية عن سيّارات الهيبريد، المستعملة والجديدة، فهو إجراء مفيد إذا تمّت مراقبته وضبطه، وأخذ العبرة من تجارب مشابهة لدول في المنطقة كالأردن الذي عانى من استيراد السيّارات هيبريد أميركية ذات محرّكات كبيرة تستهلك كثيراً من وقود البنزين، ما يُضيع الهدف من دعم استيرادها. علماً أن الولايات المتحدة، مثلاً، باتت تفضّل استيراد سيّارات الهيبريد على تلك الكهربائية بالكامل لأسباب عدّة، منها عيوب التّصنيع وحرائق البطاريّات ومحدوديّة نطاق القيادة وعدم توافر محطات للشحن الكهربائي في كلّ أنحاء الولايات.
في الخلاصة، لا تستوي كلّ هذه الإجراءات إلّا بتطوير النقل العام وإعادة الـ«تران» إلى السكّة، وتغيير سياسات النقل التاريخيّة المدمّرة للاقتصاد والبيئة، والتي تشجّع استخدام السيّارات الخاصّة وتستنزف الاقتصاد الوطني بالعملات الصّعبة، طالما أنّنا لا نصنّع «برغيّاً» واحداً من «براغيها»، مع ما تتطلّبه هذه السياسات من كلفة ضخمة لإنشاء أوتوسترادات وجسور وأنفاق، والتسبّب بأزمات سير تقلّل من ساعات العمل وتتسبّب بزيادة تلوّث الهواء وزيادة الفاتورة الصحيّة.