انضمّت عيتا الشعب إلى نادي منتجي الزعفران حول العالم. البلدة المهمّشة عند حدود فلسطين المحتلّة، قادها إلى بورصة الذهب الأحمر، أحد أبنائها الذي قرّر الإقلاع عن الزراعات التي تعود على أصحابها بالربح الكافي.
المهندس محمد طحيني، المقيم خارج لبنان، أطلق مبادرة الزعفران قبل عامين لتكون تجربة رائدة تحلّ محل التبغ الذي يُنهك مزارعيه من دون أن يوفيهم قدر تعبهم.

في حاكورة بجوار منزل أهله، غامر بالزعفران فحصد زهراتها البنفسجية قبل أيّام. وعلى غرار التبغ، أصبح الزعفران زراعة عائليّة اشتركت بها عائلة طحيني. الكبار والشبّان يزرعون ويقطفون.

(الأخبار)

في الموسم الماضي، شرح طحيني في لقاء مع «الأخبار» عن مبادرته الفردية لزراعة بصيلات الزعفران. حينها كان قد حصل على نتيجة إيجابية ولكن لم يستطع الجزم باستمراريّتها. «الحصاد الأوّل كان ضعيفاً بسبب قلّة الخبرة في البداية».
لم تُزهر جميع النبتات التي زرعها طحيني وقتها، لكنه آمن بتجربته الصغيرة وعاود المحاولة زارعاً كميّات أكبر. وفعلاً، وجد الذهب الأحمر هذه السنة أرضاً خصبة له في البلدة الحدوديّة الجنوبية، فنبتت بصيلاته وأزهرت كلّها.

نجاح الموسم الرسمي الأوّل بعد الموسم التجريبي عام 2020، دفعه لتطوير تجربة العام الثالث المقبل بتوسعة الحقول. «بات يمكن القول إنّ نجاح زراعة الزعفران في مناطق الجنوب مضمون مئة في المئة. فالارتفاع عن سطح البحر والمناخ مناسبان جداً»، يقول طحيني. ويؤكّد يقينه التام بأنّ ما زرعه مؤخّراً من بصيلات ستزهر جميعها العام المقبل.

بخلاف التبغ الذي يحتاج جهداً طوال 13 عاماً، يُعدّ الزعفران زراعة بعليّة «لا تتطلّب اهتماماً كبيراً» بحسب طحيني، معتبراً ذلك من أهم إيجابيات التجربة. فهو لا يحتاج إلّا قليلاً من المياه ويمكن الاعتماد على مياه الأمطار لريّه. وهو بذلك بمثابة عامل مشجّع للمزارعين في المناطق الجنوبيّة بخاصة في ظل أزمة الشحّ الدائمة في المياه. كما لا يحتاج الزعفران إلى الأسمدة والأدوية الزراعية التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير. في المقابل، بحسب طحيني، فإنّ المردود الماديّ من الزعفران مرتفع.

يجد طحيني في تلك العوامل محفّزاً لمزارعي المنطقة الحدودية لاستبدال التبغ بالزعفران لا سيّما بعد تدنّي قيمة المردود المادي من بيع محاصيل التبغ في مقابل سعر صرف الدولار. «كلّ بصيلة زرعت قد أنتجت أقلّه الضعف، فمنها ما أعطى أكثر من خمس زهرات حتى»، يقول طحيني. بالرغم من ارتفاع سعر البصيلات هذا العام قليلاً نسبةً لزيادة سعر صرف الدولار، «إلّا أنّ ما ينتظر المزارع مع حلول موسم القطاف مغرٍ جداً. فبصيلات قليلة قادرة على إنتاج الكثير من الزهر، حتى أنه يستطيع بيع البصيلات وليس الزعفران خالصاً فقط».



ومع أن كلّ تجربة جديدة غير مضمونة النتيجة تُخيف الناس عادةً، إلّا أن المهندس الشاب قد وجد حماساً في محيطه. فبعد استفسار أهالي المنطقة عن تجربته، عديدون أخذوا بصيلات منه وقاموا بزراعتها، وقد نبتت جميعها بحسب طحيني، ما زاد اقتناعه بفعالية التجربة التي لم تعد مجرّد «ضربة حظّ». الكميات التي أنتجت هذا الموسم ما زالت قليلة يستفيد منها الأقارب والمعارف باستخدامات محدودة كوضعها في الطعام أو الشاي مثلاً. أما المخطّط على المدى البعيد فهو تحويله إلى تجارة موسّعة غير محدودة بالاستعمالات البسيطة فقط.

وهنا يبقى تصريف الإنتاج هو العائق الوحيد أمام استمرارية هذه الزراعة. ويسعى لإيجاد سوق للتصريف خارج لبنان، في البلاد الأوروبية مثلاً، حيث يصل سعر مبيع الزعفران العضوي الطبيعي في فرنسا إلى ما يقرب من سبعة وثلاثين ألف يورو للكيلو الواحد.