جرياً على عادتها في كل عام، سافرت «قيادة الاتحاد العمالي العام» منذ أسبوع إلى جنيف، بذريعة المشاركة في مؤتمر العمل الدولي الذي يعقد في اول حزيران من كل عام، لكنها في الواقع ذهبت لتستريح على ضفاف بحيرة «ليمان» الهادئة، بعد سنة من العمل المضني في سوق المتاجرة بمصالح العمّال، ولا سيما العمّال غير النظاميين والعمال المهاجرين الذين يشكلون العناوين الأساسية للمؤتمر هذا العام.
هذه القيادة افتعلت قبل فترة اعتصاماً يتيماً وإضراباً في الثلاثين من شهر آذار الماضي، استغله عمال وموظفو المصالح المستقلة كيوم إجازة مدفوعة الأجر، ولم يشعر به بقية العمال والمواطنين، فيما ضم الاعتصام بضع عشرات من النقابيين من أعضاء الأحزاب المكلفة قيادة الاتحاد العام، حسب ما ذكرت الصحف، وأتى ذلك بعد يوم واحد من تظاهرة هيئة التنسيق النقابية، التي شارك فيها عشرات الألوف من موظفي الإدارة العامة والمعلمين في القطاعين العام والخاص، فضلاً عن فئات أخرى من المواطنين.
إذاً، القيادة النقابية، التي تعتبر نفسها الأكثر تمثيلاً للعمال في لبنان، رحلت في رحلة استجمام ممولة من صندوق الاتحاد وصندوق الضمان الاجتماعي، أي من أموال العمال، ضاربة عرض الحائط بأكبر أزمة يواجهها العمل النقابي، جراء تمنع المجلس النيابي وأطراف السلطة في الحكم وحوله، من سلطات مالية ومصرفية وعقارية وسواها، عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي لا يعترض على أحقيتها أحد حتى أصحاب السلطة أنفسهم!

تموَّل الرحلات
من أموال العمال في الاتحاد العمالي والضمان الاجتماعي

وتنأى هذه القيادة «الأكثر تمثيلاً على العمال» بنفسها عن مصير عام دراسي لعشرات الألوف من التلاميذ والطلاب، حيث قد يسبب موقف المجلس النيابي من هيئة التنسيق النقابية بعدم حصول الامتحانات الرسمية في مواعيدها.
تأتي رحلة الاستجمام النقابية، فيما لا يزال نحو خمسمئة عامل وموظف في إحدى شركات مقدمي الخدمات في مؤسسة كهرباء لبنان، أي شركة «ترايكوم» مضربين عن العمل بسبب عدم تقاضي أي راتب مستحق لهم منذ ثلاثة أشهر، بعدما كان الاتحاد العام قد تورط قبل أكثر من عام بتغطية اتفاق سياسي طائفي غامض وملغوم على حساب العمال المياومين.
وتذهب القيادة إلى ضفاف البحيرة الهادئة في جنيف عشية أوسع وأخطر نزاع اجتماعي قد يتطور إلى ما لا تحمد عقباه بين فئات المستأجرين والمالكين القدامى، نتيجة إقرار قانون إيجارات، أقل ما يقال فيه أنه إجراء قانوني لإخراج الفقراء من العاصمة وتسوية ما بقي من أحياء شعبية بالأرض، تمهيداً لوضع مماثل كالذي سببه سرطان «سوليدير» في قلب العاصمة على حساب المستأجرين وصغار المالكين على السواء.
كل هذه الأمثلة وغيرها قد لا تكون جديدة. الجديد في الأمر أن القيادة غادرت لأسابيع ثلاثة، وهي قريرة العين، حيث لن يسائلها أحد عن سبب امتناعها عن إجراء الانتخابات التكميلية لهيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد بعض انقضاء أكثر من سنة ونصف على استحقاقها، هذا إذا صدقت المعلومات المنشورة على موقع الاتحاد، التي تشير إلى أن آخر انتخابات جرت في كانون الثاني 2011. والقيادة هنا ترتكب مخالفة قانونية بالأساس للنظام الداخلي للاتحاد، وترتكب أيضاً مخالفة مالية بالاستمرار في الإنفاق، حيث إنها غير ذات صفة، كذلك ترتكب مخالفة قانونية لناحية تداول المسؤولية وفق القوانين المرعية، وهي بالتالي قيادة غير شرعية ومغتصبة للسلطة.
لعل ما يفسر استمرار هذا الوضع بكل غرائبه أمور ثلاثة: الأمر الأول أن لا مصلحة للأشخاص المهيمنين على قيادة الاتحاد في أي تبديل أو تغيير. «فالستاتيكو» القائم يكاد يصل عمره إلى ثلاثة عشر عاماً، أي من لحظة تنصيب هذا الطاقم على قيادة الاتحاد منذ شهر آذار 2001، ومنذ ذلك الوقت ومع تغييرات طفيفة جداً لا معنى لها، توزعت هذه القيادة المرتبطة بمحاصصة حزبية طائفية على مجلس إدارة الضمان ومجالس العمل التحكيمية واللجنة التحكيمية العليا والمركز الوطني للتدريب المهني والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الوطني للأسعار واللجنة الفنية الفاحصة والمؤسسة الوطنية للاستخدام... إن هذه المواقع تدرّ أجوراً ثابتة لهؤلاء الأعضاء، حيث تصل مخصصات كل واحد من المحظيين إلى أكثر من ألف دولار شهرياً، بالإضافة إلى سمسرات تخليص معاملات من قبل أعضاء في مجلس إدارة الضمان.
والأمر الثاني هو عدم وجود معارضة حقيقية في الاتحاد العمالي العام. أما الأمر الثالث والأهم، فإن القوى السياسية النافذة لا تجد أي مبرر لانتخابات جديدة أو لأي تغيير، ذلك أن ما هو قائم يُعَدّ مثالياً لهذه القوى لناحية السمع والطاعة، بل حتى إن أي انتخابات جديدة لن تغير شيئاً في الوضع الراهن، فإنه لا داعي «لتعب الراس».
بين السياحة والسياسة على حساب أموال العمال وحقوقهم، يبقى من يدّعي الاتحاد العمالي العام تمثيلهم عرضة للمزيد من المخاطر الآن وفي المقبل من الأيام.