تدخل المياه ضمن خانة الأمن المجتمعي الذي ينبغي أن تتمّ حماية مصادره وشبكاته. لكن يبدو أن الدولة عاجزة فعلاً عن توفير الحماية ليس للمياه فقط، وإنما لسائر المقوّمات الحياتية والمعيشية والحقوقية لمواطنيها.
أكثر من 200 ألف نسمة ينتشرون في قرى وبلدات غربي بعلبك كانوا قد استبشروا خيراً بمشروع سدّ اليمونة، الذي كان أحد أهم أهداف إنشائه تأمين المياه لـ43 قرية، تبدأ من دار الواسعة وفلاوى وبوداي وشليفا، ولا تنتهي عند طاريا وشمسطار.

«المشروع الحلم» تلاشى عند التعديات على الشبكة من أول مجراها بعد تونال اليمونة وعند كل «ريغار» و«مفتاح تحويل»، ما انتهى إلى حرمان أكثر من 30 قرية من المياه منذ بداية أيار الفائت وحتى اليوم، والسبب: بيعها إلى كبار مزارعي الحشيشة والبطاطا اللقيسة وأصحاب مشاريع برك صيد البط.

لم تنتهِ الأمور عند هذا الحد. فعند السد ثمة مشاكل أيضاً. فبعد تعثّر تنفيذ شبكة الصرف الصحي المخصّصة لأحياء بلدة اليمونة مع بداية الأزمة المالية في لبنان، واعتكاف المتعهّد عن التنفيذ بسبب فارق الأسعار بين المناقصة والواقع عند التنفيذ، تمكّنت وزارة الطاقة والمياه من تذليل العقبة، وأنجزت الشبكة ورفعت التلوّث عن البحيرة ـــ السد، وأسندت إدارة محطة ضخّ مياه الصرف الصحي من جانب السد، ومحطة التكرير، إلى «مؤسسة مياه البقاع»، بعد فشل وتقاعس شركتين خاصتين عن إدارتهما.

إلّا أن أزمة ارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي فرضا مشكلة جديدة عند محطة الضخّ، إذ «لا يتم تشغيلها كما يفترض أن تعمل، الأمر الذي سمح للمياه المبتذلة بالتّسرب إلى مياه البركة، وبالتالي إلى القرى التي تستفيد من مياه اليمونة»، كما يشرح لـ«الأخبار» رئيس بلدية اليمونة، طلال شريف.

يتّهم شريف «مؤسسة مياه البقاع» بأنها «تُقصّر في أداء واجبها لجهة القيام بدورها في تشغيل محطتَي الضخّ والتكرير، لجهة عدم تأمين المازوت لتشغيلهما كما يفترض، وكما هو متفق عليه، فكميات كبيرة من الصرف الصحي تتسرب إلى مياه البركة بسبب عدم تشغيل محطة الضخ الملاصقة للسد، وهو ما يرتب آثاراً وأضراراً صحية وبيئية على أهل اليمونة والقرى المستفيدة، وحاولنا مراراً وتكراراً التواصل مع المدير العام لمؤسسة مياه البقاع، ولكن دون جدوى».

ولذلك، ناشد شريف وزير الطاقة والمياه «إيلاء المشكلة الأهمية اللازمة، لأن في التقاعس عنها مسؤولية صحية وبيئية كبيرة تطاول منطقة بأكملها»، وفق شريف.

أهالي قرى في غربي بعلبك المقطوعة عنهم المياه قسراً منذ أشهر، لم يُثر خبر التلوّث عندهم أي خوف أو قلق، لأنهم لا يستفيدون أساساً من المياه بسبب التعديات وبيع المياه من قبل «مافيا المياه»، أمام عيون الدولة وأجهزتها والأحزاب والفعّاليات، إلى كبار مزارعي البطاطا، الذين قدموا من كل البقاع للاستفادة من مياه جارية بمبالغ مالية محدودة، بدلاً من مازوت ومضخّات وبخّاخات وعمال وأكلاف كبيرة.

في المقابل، يؤكد المدير العام لـ«مؤسسة مياه البقاع»، رزق رزق، لـ«الأخبار»، أن المؤسسة قامت بـ«واجباتها في اليمونة، بحسب قدراتها المالية واللوجستية، ونحن نسعى بالشحادة لتأمين المازوت للمحطة، فاشتراك المياه كان بـ200 دولار، واليوم لم يعد يتخطّى 15دولاراً، وقدرتنا ما بتسمح وليس بمقدورنا القيام بالعمل، فالعين بصيرة واليد قصيرة، ونحن نشحد من الجهات المانحة ونؤمّن العمل لمحطة الضخ»، يقول رزق.

أما لجهة التعدي على مياه اليمونة وحرمان غالبية القرى من الاستفادة منها خلال فصل الصيف، فيجيب رزق: «لم توفّر المؤسسة في اتصالاتها بشأن هذا الموضوع أحداً من أحزاب المنطقة وفعّالياتها وعشائرها والأجهزة الأمنية على اختلافها، ولم نحصل منهم جميعاً على جواب أو قرار واضح بشأن معالجة المشكلة، فالجميع يتهرّب من الموضوع»، متسائلاً: «نحن كموظفين في مؤسسة مياه البقاع، هل باستطاعتنا القيام بما ينبغي على الأجهزة الأمنية والأحزاب أن تقوم به؟ واللافت أن لا قرار برفع شعار مياه اليمونة خط أحمر يُمنع الاعتداء عليها».