لم يكن صباح اليوم عادياً لدى معظم أهالي الطلاب والأساتذة، الذين استفاقوا على ارتفاع كبير في أسعار البنزين والمازوت. جرس الإنذار قُرع في البيوت والمدارس على السواء، مع تخطّي سعر صفيحة البنزين الـ300 ألف ليرة، وصفيحة المازوت الـ270 ألفاً. مع تراجع القدرة الشرائية وثبات الأجور على حالها، بدأ البحث جدياً في العودة إلى نظام التعلّم عن بعد.
في الواقع، فرضت الأزمة نفسها بقوة على أهالي الطلاب كمعضلة يصعب حلّها، حيث لا ضوابط على فاتورة النقل المدرسي لارتباطها بجدول أسعار المحروقات. فإذا كانت بعض العائلات تملك سيارات واعتمدت عليها لنقل أولادها، فثمّة عائلات أخرى لا تملك القدرة على تأمين المحروقات لسياراتها. ومن بين هؤلاء أيضاً، هناك من يفتقد أبسط المقوّمات، من ضمنها السيولة المالية اليومية أو الشهرية، للاتفاق مع فانات للنقل المدرسي من وإلى المنزل، كما درجت العادة سابقاً.

وقد أسعف «الحظ» عدداً من العائلات، بقرب المدارس من مكان سكنها، أو تلك التي اعتمدت على نقل أبنائها من مدارسهم البعيدة إلى المدارس «الجارة»، بهدف توفير بدل النقل، وإن على حساب نوعية التعليم. «يكفي أن يُمسك الأخوة بأيدي بعضهم البعض، ويتوجّهوا إلى المدرسة سيراً على الأقدام. وعندما تمطر (بحلّها مية حلّال)»، تقول زينب زعيتر، بينما توصل أبناءها الثلاثة إلى بوابة متوسطة حدث بعلبك.

تخضع عملية النقل المدرسي لحساب دقيق من قبل الأهالي، لكنها بالرغم من ذلك، لا تُجدي نفعاً مع أصحاب الفانات، الذين اختلفت التسعيرة في ما بينهم، وربطوا أسعار تعرفتهم الشهرية بأسعار المحروقات. فبدت التسعيرات عشوائية، لا تراعي المسافة كما في السابق.

فللمسافة ذاتها مثلاً، تختلف التسعيرة بين سائق وآخر، فيما «العروضات» تشتعل على وسائل التواصل الاجتماعي، بين 125 ألف ليرة و250 ألف ليرة لمسافة لا تتجاوز الـ7 كيلومترات.

على إثره، تصف فاطمة حمية التي لم تجد بديلاً عن الباص لنقل أبنائها الثلاثة من وإلى المدرسة، من بلدتها طاريا إلى بلدة حدث بعلبك المجاورة لها، والمتلاحمة منازلهما عقارياً، ما يحصل بالـ«ظلم». وتضيف: «ربك وحاكمك. وإذا لم تعجبك التسعيرة فيك تشوف غيري»، في إشارة إلى إجابة سائقي الباصات لدى اعتراض الأهل على بدل النقل.

لكن ماذا عن الانتقال إلى مسافات أبعد؟ من قرى غربي بعلبك إلى مدارس رياق وقصرنبا، كثانوية الإمام الجواد والمصطفى والأنطونية وعبرين وغيرها، مسافة لا تتجاوز العشرين كيلومتراً. غير أن قيمة التعرفة لـ«بوسطة» النقل المدرسي تتراوح بين 400 ألف ليرة و500 ألف، في حين تُعتبر المسافة والتسعيرة نفسها باتجاه زحلة.

وفيما حدّدت بعض الثانويات، التي تعتمد آليات نقل من قبلها، التسعيرة قبل الدعم وبعد الدعم، حدّد بعضها الآخر لائحة بالأسعار يتم تعديلها كل شهر، على غرار مدارس الإمام المهدي في شمسطار وبعلبك. وداخل أحياء مدينة بعلبك، حُددت التسعيرة بـ310 آلاف، ومن أحياء الشراونة والسوق التجاري بـ375 ألف ليرة، ومن بلدات دورس وإيعات والأنصار وبريتال ويونين ومقنة بـ455 ألف ليرة، ومن بوداي وفلاوى بـ540 ألف ليرة.

أما تجمّع المدارس الحكومية في محلّة عمشكي في مدينة بعلبك، فتراوح بدل النقل المدرسي لديه بين 500 و800 ألف ليرة عن كل طالب. وكان لمدرسة الإيمان، إحدى مدارس بعلبك، قرار آخر، إذ حددت بدل النقل عن كل تلميذ «بـ30 دولاراً، أي 270 دولاراً سنوياً». في الإطار، يقول أحد العسكريين لـ«الأخبار»: «هذا يعني أن عليّ أن أدفع 90$ شهرياً لنقل أولادي الثلاثة، أي أكثر من 800 دولار سنوياً، فيما معاشي كلّه يساوي 90$، من وين بجيب حتى علّم أولادي؟!»

وبالرغم من أن المدارس حددت تسعيراتها وحاولت أن تفرض ذلك على بعض الفانات التي تنقل الطلاب إليها، لكن «لم يتقيّد الجميع بها»، بحسب مدير إحدى المدارس في البقاع، الذي لفت إلى أن «أصحاب عدد من الفانات اقتنعوا باقتراحاتنا، لكن أغلبهم لم يتقيّدوا. فأصبحنا نشهد تسعيرات عشوائية، وسط ترجيحات أن ترتفع مع كل ارتفاع بأسعار المحروقات».

واليوم، فوجئ الجميع بارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير، حيث حُدد سعر صفيحة المازوت بـ270 ألف ليرة، والبنزين بـ 312 ألف ليرة، ما سيفرض تسعيرة جديدة وأرقام تعرفة خيالية، قد تفرض على بعض الأهل التوقف عن إرسال أولادهم إلى المدارس، لصعوبة تأمين بدل النقل الشهري أو الأسبوعي أو اليومي.

حتى أن المدارس نفسها أكدت لـ«الأخبار» أن لوائح التسعيرات الشهرية سيتمّ تعديلها «حكماً» نهاية الشهر المقبل، وفق تسعيرة المحروقات الرسمية، و«سنُبقي خلال العشرة أيام المقبلة على التسعيرة المحددة، على أن تحدد الأسعار وفق اللائحة الجديدة حينذاك»، بحسب أحد مديري المدارس في البقاع.

من جهتهم، دافع أصحاب الفانات عن تسعيراتهم، عبر ربطها بأسعار البنزين والمازوت، والتي باتت ترتفع أسبوعياً بعد رفع الدعم عنها: «وغير هيك ما بتعود توفّي معنا، ويمكن أن ترتفع الأسعار أكثر على الأهل، فلا أحد يعلم إلى أين ستؤول الأمور»، يقول صاحب إحدى فانات نقل الطلاب لـ«الاخبار».