في كلّ عام، لا يخلو موسم زيارة العتبات المقدسة في العراق في ذكرى أربعين الإمام الحسين، من إشكالات بين بعض أصحاب حملات تنظيم الزيارات والزوار. بعض الإشكالات وصلت إلى اتهام بعض أصحاب الحملات ومكاتب السفر بالنصب والاحتيال حتى خسر عدد من الزوار فرصتهم في الالتحاق بركب الملايين التي تحيي الذكرى من كربلاء إلى النجف الأشرف.
قبل حلول الذكرى اليوم، شهد مطار بيروت الدولي زحمة غير مسبوقة زاد من ضغطها انتظار بعض قاصدي العتبات المقدسة، ساعات طويلة لتبيان مصير رحلتهم بعد أن اكتشفوا بأن المكاتب التي أوكلوها بحجز التذاكر والفنادق، لم تفعل شيئاً بالرغم من حصولها على الأموال!

البعض ممّن كان الأكثر حظاً افترش أرض المطار لمدة لا تقل عن 8 ساعات في مقابل آخرين فاقت مدة انتظارهم الأربعين ساعة. وفي التفاصيل، فقد حجزت عدد من الحملات التذاكر لزبائنها عبر مكتب السبيل، وكيل شركة «فلاي بغداد» في لبنان. ثبتت الحملات حجوزاتها قبل 20 يوماً من الثاني والعشرين من الشهر الجاري، موعد بدء الرحلات من لبنان إلى العراق.

رحلات الأيام الأولى سارت بشكل طبيعي، حتى الرابع والعشرين من أيلول حين بدأت الطائرات تتأخر عن موعد وصولها ساعات طويلة جداً، ما أرهق المسافرين الذين اضطروا إلى الانتظار من دون أن يكون لديهم أدنى فكرة عما يجري، مثلهم كمثلِ أصحاب الحملات التي تقلّهم. و ما زاد من التوتر فقدان الاتصال مع صاحب مكتب السبيل للاستفسار عما يجري.

بعد محاولات عدة، تمكنت «الأخبار» من مخابرة محمد دقدوق، مدير مكتب السبيل للسفر، الذي برّر عدم الرد على الهواتف بـ«الضغط الكبير كثافة الاتصالات»، رافضاً الاتهامات التي وُجّهت له من قبل، مذكراً بـ«تاريخ مؤسسته ذات السمعة العريقة منذ أكثر من 30 عاماً».

بهواتف مطفأة ومن دون شاحن، علِق المسافرون في المطار جاهلين مصيرهم وغير قادرين على الخروج إلى أي مكان لأخذ قسط من الراحة بعد أن كانوا قد انتهوا من مرحلة تسليم الحقائب. وفي هذا السياق، لفت دقدوق إلى أن مكتبه «كان قد أخبر أصحاب الحملات بأن تأخيراً سيطرأ على موعد وصول الطائرات لكي يُخبروا بدورهم المسافرين». إلّا أن الخبر لم يصل إلى المسافرين، وهو ما أوعزه دقدوق إلى أن «أصحاب الحملات ربما قد شعروا بالحرج من المسافرين، ففضلوا عدم إخبارهم!».

لم يجد المسافرون من يخبرهم حتى شاشة جداول الرحلات التي لم تخضع لتعديل مواعيد الرحلات. وهنا أيضاً حمّل دقدوق إدارة المطار مسؤولية الخلل، مؤكداً أن المكتب كوكيل لـ«فلاي العراق» قام بواجبه وتواصل معها لتحديث الجداول.

ولم يكتفِ دقدوق بذلك، إذ أبدى «تعاطفه» مع الزوار المنتظرين من خلال القيام بـ«تخفيض سعر التذكرة إلى 340 دولاراً علماً أن المكاتب الأخرى سعّرت التذكرة ب 420 دولاراً». وكان دقدوق قام بتجهيز المكتب، منذ حوالي الشهرين، بـ4000 مقعد للمسافرين حين كان الطلب خفيفاً ولا يتجاوز الـ2500 مسافر. لكن، و«بسبب العرض المغري، بات الإقبال كثيفاً جداً، وزاد تحديداً في الأيام العشرة الأخيرة»، وفق قوله. وقد عمد المكتب إلى توزيع ملفات 6000 مسافر على 40 طائرة موزعة على 4 أيام، تبدأ بالثاني والعشرين من الجاري وتنتهي بالسادس والعشرين منه. «المشكلة حصلت في الرحلات القليلة الأخيرة».

تزايد الطلب على السفر عبر مكتب الدقدوق، جعله غير قادر على تلبية حجوزات إضافية. لكن البعض اتهمه بأنه استمر في استقبال الطلبات بالرغم من علمه بنفاد الأماكن، لكنه يؤكد بأنه «استأجر 3 طائرات إضافية من شركتي الميدل إيست، والطيران المدني العراقي، لتلبية كل من اتفق معه على ذلك. ما كبّد الشركة خسارة تفوق ال 70 ألف دولار أميركي»، بحسب قوله.

أقوال دقدوق هي بالنسبة للبعض «تذاكياً»، فمن الطبيعي عدم وجود تذكرة سفر خاصة بكل مسافر، لأنهم مسافرون مع حملات، وليسوا بمفردهم. وكما جرت العادة منذ سنين طويلة، أن تُقطع تذكرة «manifest» واحدة بأسماء مجموعة كبيرة من الأشخاص، من دون تعيين رقم مقعد معين لكل مسافر، على أن يتم استلام التذكرة في المطار قبل السفر، لأن الطائرة إن وَسِعَت لـ165 راكباً مثلاً، بالتالي سيغطي مقاعدها من الحملة ذاتها.

«تذاكي» الدقدوق، يقابله باتهام بعض المسافرين بالمبالغة، قائلاً: «يأتون إلى المطار قبل موعد إقلاع الطائرة بساعات، فإذا تأخر وصول الطائرة 6 ساعات مثلاً، يرددوا أن مدة انتظارهم تجاوزت يوماً كاملاً»، مشيراً إلى أن العديد من الأشخاص الذين كان سبق واعتذر منهم عن حجز تذاكر لهم، قاموا بشراء تذاكرهم من المطار مباشرة، والتحقوا بالطائرات التي استأجرها هو، مما سبب ازدحاماً إضافياً برأيه. ما برّر إبقاء الناس في حيرة من أمرهم وعدم توضيح ما يدور لهم، بأن «الخبر السيّء أسرع انتشاراً من ذلك الحسن».

العراقيل في بيروت أكملتها عراقيل أخرى في مطار النجف الأشرف، إذ إن حصول خلل في الأداء الفني والتقني في مطار النجف منذ يومين أولى هذه العوامل، وهو الذي تحط فيه مئتي طائرة يومياً. ومع أن شركة «فلاي بغداد» هي من أضخم شركات الطيران في العراق، إلا أنه في مواسم الحج والزيارة مثلاً، تزيد حركة الطيران بشكل هائل، مما يفتح احتمالات تأخر الطائرات على مصراعيها لأسباب عديدة دقدوق نفسه لا يعرفها، ويضيف: «حتى شركات الطيران، لا تستطيع تحديد ساعة معينة لوصول الطائرة».

يزيد الأخير عامل الخوف من «النّصب» لدى الناس، خصوصاً وأنه سمع أنّ مكتب سفريات في صيدا، لم يسلم المسافرين تذاكرهم، فهرولوا للحجز لديه من جديد، كما يعزو دقدوق الأمر إلى تأخر إصدار جوازات السفر، مضيفاً أنه حاول تسوية المشكلة عبر اتصالات غير ناجحة أجراها مع سياسيين، بسبب البطء في إيجاد الحلول. وطمأن عبر «الأخبار»، أن أحداً ممن انتظروا لفترات طويلة لم يخضع لفحص الكورونا مجدداً، وأن أولئك الذين فاتهم حجز يومين على الأقل في فنادق النجف «المتعاونة جداً»، سيُعاد تعويضها للمسافرين من دون أي كلفة إضافية، بالإضافة إلى أن الزوار لن يُحرموا هذين اليومين من مجموع أيام الزيارة، الضائعين في المطارات، لأن إعادة جدولة في مواعيد رحلات العودة هي قيد التحضير، بحسب طلب كل حملة. والأهم في نظر دقدوق، أنه «ما حدا الو عالمكتب فلس»، وأن الأربعينية «ما راحت ع حدن»، وأنه على تواصل دائم مع «فلاي بغداد»، مع الإدارة مباشرة، بالتالي من الطبيعي أن لا يكون الموظفون على علمٍ بما يجري.

وكان عدد من الأشخاص قد تواصل مع «فلاي بغداد»، عبر صفحتها على «فيسبوك»، شاكين لهم سوء معاملة وكيلهم لهم، وهي وعدت بمراجعة الأمر، وهو ما تغاضى دقدوق عنه بتبريره الأخير عن كل المعاناة والتوتر و«البهدلة» التي عاشها المسافرون. الموضوع لم يقتصر على تعب المسافرين الجسدي والنفسي هنا، واجتزاء من مدة الرحلة. أحد المسافرين المتواجدين في العراق، والذين انطلقت رحلتهم منذ عدة أيام، فقد أمّه وهو غير قادر على العودة إلى لبنان بالوقت المطلوب، بسبب خلل في مواعيد العودة، كما روى أحد أصحاب الحملات.

الأخير اعتبر بأن «لم يعمل حساب» المسافرين بشكل مدروس، وأن بعض الطائرات لم تُحجَز في الوقت المناسب، مضيفاً أن الأخير باع التذاكر بشكل عشوائي، وكأنه وضع قسماً منهم على لائحة الانتظار، فضلاً عن أنه عمد إلى جلب طائرات من غير مسارها المعروف، وتحديداً من مصر، كما يقول صاحب الحملة الذي شبّه الحادثة بأنها تحويل للطائرات إلى «فانات». فالطائرة تتّسع لـ165 راكباً، وتجد 700 شخص في الانتظار.

كما رأى دقدوق أن وصف «نصّاب» بحقه غير منطقي، بالقول: «حتى لو كان الخداع في نواياه، لكان فعل ذلك من البداية وقبل بدء أيّام الرحلات، من دون الحاجة إلى إرسال قسم من الرحلات والتخلّف عن ذلك في الرحلتين الأخيرتين».