اتّهمت بلدية بقاعصفرين ـــ الضنّية، أشخاصاً من بشرّي، بقتل 50 رأساً من الماعز والماشية، كانوا يرعون في محيط القرنة السّوداء، في حلقة جديدة من مسلسل النزاع على ملكية القمة الأعلى في بلاد الشام، المستمر منذ عقود. ولم تسفر الجهود والمساعي التي تُبذل كلّ عام، وعلى أكثر من مستوى، في إيجاد حل لهذه المشكلة التي تتفاقم كلّ صيف، وتتسبّب في وقوع إشكالات يتخلّلها إطلاق نار وتعديات، وتؤدّي إلى تأجج طائفي على طرفَي القمة.
ووصفت البلدية من قاموا بهذا العمل بـ«الخارجين عن القانون، الذين راحوا يعيثون في الأرض فساداً دون حسيب أو رقيب، ويعتدون على المزارعين ليل نهار، ويطلقون النار على كل سائح يتنزّه قرب القرنة السوداء، ووصل بهم الأمر حتى إلى نصب كمائن لرعاة الماشية، ممّن يعتاشون من هذه المهنة الشاقة».

وأسفت البلدية لأنها «لم تبادر إلى المحاسبة بنفسها، وأنها لم تتخذ أيّ إجراء لوقف المجرمين عند حدّهم، على الرغم من معرفة الأجهزة الأمنية والقضائية»، لافتةً إلى أنها، ومعها أهالي المنطقة، «يحمّلون الدولة اللبنانية والمسؤولين في بشري، مسؤولية كل ما حصل ويحصل في محيط القرنة السوداء من اعتداءات».

لكن هذا الحادث ليس الأول من نوعه. ففي شهر حزيران الماضي، قُتل أكثر من 40 رأساً من الماعز والماشية في محيط القرنة السوداء، واتهمت بلدية بقاعصفرين يومها جهات وأشخاصاً في بشرّي بالوقوف وراء الاعتداء. غير أن بلدية بشري أوضحت في ذلك الحين، في 9 حزيران الفائت، بأنه «لم يسجل أيّ حادث إطلاق نار أو سواه في الأيام الماضية في جرود القرنة السوداء، خلافاً لما تدّعيه بلدية بقاعصفرين»، داعيةً قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني إلى «التحرّك سريعاً والتحرّي عن هذا الموضوع، وإعلان نتائج التحقيق فوراً، قطعاً للطريق على بعض المتلاعبين بالسلم الأهلي». وسرعان ما أكد نائبا بشري، ستريدا جعجع وجوزيف إسحق، في اليوم التالي، أنه «بعد البحث والتدقيق، تبيّن أنه لم تقع أي حوادث في جرود القرنة السوداء خلال الأيام القليلة الماضية».

الحوادث التي تتكرّر كلّ صيف، تشمل أيضاً قطع أشخاص من بشرّي أنابيب مياه بلاستيكية، يزيد طول بعضها على 5 كيلومترات، تقوم بجرّ مياه نسافات الثلج، أي أكوام الثلج التي تبقى متراكمة فوق القمّة على مدار العام والتي تذوب، من أجل ريّ أراض زراعية واسعة استصلحها مزارعون من بقاعصفرين، في محلّة جرد النجاص عند تخوم القرنة السوداء لجهة الضنية. في الواقع، يتذرّع البشرّاويون بأن هذا الاستجرار يؤدّي إلى تخفيض منسوب مياه الينابيع عندهم، في وقت لم يبصر مشروع وزارة الزراعة بإنشاء بركة مياه في المنطقة النور، والتي من المفترض أن تشكّل بديلاً لمزارعي الضنية. فقد بقي المشروع حبراً على ورق، بعدما واجهته اعتراضات سياسية وبلدية من قبل بشري.

وقد دفع هذا النزاع بلديتَي بقاعصفرين وبشرّي، إلى إبراز وثائق تثبت أن القرنة السوداء تقع في نطاقهما، وأن الطرف الآخر هو المعتدي. ويذكر أن خرائط الجيش اللبناني توضح أن القرنة السّوداء تبعد نحو 4 كيلومترات ـ خط نار ـ عن حدود بشري الإدارية. كما أن أمانة السجل العقاري في الشمال أكدت في تقرير لها، في 12 آب عام 2014، بناءً على طلب محافظ الشمال رمزي نهرا، إثر تجدد النزاع بين البلديتين، أن «القرنة السوداء ومحطيها يقعان ضمن نطاق بلدية بقاعصفرين العقارية».

إثر ذلك، برز الاصطفاف المناطقي والطائفي والسياسي، خلف موقف البلديتين بشأن القرنة السوداء. فمقابل دعم نائبَي بشرّي، جعجع وإسحق، موقف بلدية بشرّي، يؤيّد النائبان جهاد الصمد وسامي فتفت موقف بلدية بقاعصفرين، ما جعل النزاع يأخذ أبعاداً عدّة، قبل أن يحتكم الأطراف كافّة للجيش اللبناني قبل عامين، بانتظار قيامه بـ«ترسيم» الحدود الإدارية أو «إظهارها» بين المنطقتين. بيد أن نتائج هذا «الترسيم» لم تظهر، بعدما تُرك باب النزاع بين المنطقتين مفتوحاً على مصراعيه، ليتجدد صيف كل عام بأشكال مختلفة.