ارتبطت زراعة التبغ جنوباً وشمالاً بسِمَة القهر والكدّ اللذين يستمران على مدار السنة، من أجل أن يحصل المزارع في نهايتها على مردود ضئيل مقارنةً بالجهد الذي بذله.
«يا سعدى خيرا بغيرا... خمنّا الغلّة بتكفي». أغنية الفنان مارسيل خليفة التي أنشدها قبل عقود، باتت تحاكي الواقع اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذ يشتري المزارع لوازم زراعة التبغ بالدولار على سعر صرف السوق السوداء، و يقبض ثمن إنتاجه على سعر صرف الليرة الرسمي!

وبعد انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، واستعار الأزمة الاقتصادية، رفعت إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، سعر كيلو التبغ الواحد من حوالي 13 ألف ليرة، إلى حوالي 20 ألفاً. وحتى الآن، لم يصدر قرار برفع التعرفة إلى ما يزيد عن هذا السعر.

11 عشر شهراً أمضتها فاطمة عليان، من تولين، في زراعة 11 دونماً من التبغ، مع أفراد عائلتها. وهي شارفت على الانتهاء بعد توضيب أوراق التبغ اليابسة، لتسلّمها إلى الريجي التي تشتري الإنتاج من كافة المزارعين.

«للمرّة الأولى أفكر جدياً بالامتناع عن التسليم، لأن الريجي لم ترفع سعر التبغ حتى الآن، بالرغم من أن تكاليف الزراعة تضاعفت أكثر من 10 مرات، وارتفعت أسعار لفائف التبغ اللبنانية من 1000 ليرة إلى 11 ألف ليرة»، تقول عليان وهي تمسح عرقها ودموعها.

معظم أبناء بلدات تولين والصوانة وحولا (مرجعيون)، وعيترون، ورميش وعيتا الشعب ( بنت جبيل)، وغيرهم، يعتاشون من زراعة التبغ، التي «تستهلك كل ساعات النهار»، على حدّ تعبير حسن مواسي من عيترون، الذي يلفت إلى أن: «أعداد المزارعين يتضاءل تدريجياً منذ بدء الأزمة الاقتصادية المستجدّة. ومن المتوقع أن يتقلّص العدد في السنة المقبلة».

وقد بدأت المؤشرات تظهر منذ الموسم الحالي: «موسم الفلاحة الأولى للأراضي التي يُفترض زراعتها بشتول التبغ، قد بدأ فعلاً، ولكن الكثير من المزاراعين امتنعوا عن فلاحة أراضيهم، بسبب نفاد المازوت وارتفاع ثمنه، إضافة إلى أن أُجرة فلاحة الأرض ارتفعت من 30 ألف ليرة إلى 300 ألف ليرة»، بحسب مواسي.

يعيش مزارع التبغ أسوأ أيامه إذاً. فكلفة زراعة الدونم الواحد ارتفعت إلى أكثر من 5 ملايين ليرة، كما ارتفعت أسعار علب السجائر المحلية «سيدرز»، التي تنتجها الريجي، في مقابل ثبات في أسعار التبغ كمادة أولية.

إزاء هذا الوضع، توقّع المزارع طانيوس مخّول، من رميش، أن «العام القادم سيكون عاماً بلا زراعة، لأن أبناء رميش سيتوقفون عن زراعة التبغ، للمرّة الأولى منذ عشرات السنين، إلا إذا قرّرت الدولة التعويض على المزارعين»، موضحاً كذلك أن «المزارع كان يبيع الكيلوغرام الواحد إلى مؤسسة الريجي بما يعادل 9 دولارات، أما اليوم فلا يعادل دولاراً واحداً. والدونم الواحد كان ينتج بما يعادل 1200 دولار أميركي، وهو اليوم لا يعادل 200 دولار».

ويلوّح مخّول بأن «عدداً كبيراً من مزارعي التبغ في رميش قد يمتنعون عن تسليم التبغ إلى مؤسسة الريجي، إذا لم تبادر إلى رفع الأسعار لمصلحة المزارعين، بما يوازي أسعار عُلب لفائف التبغ التي تصنّعها من إنتاج المزارعين»، مبيناً أن «رميش وحدها تُنتج ما يزيد على 40 ألف طن من التبغ سنوياً، وأن جميع أبناء البلدة يعتمدون على هذه الزراعة في معيشتهم، وتوقفهم المتوقع عن الزراعة يعني أن الأهالي سوف يتركون البلدة، ويهاجرون كما فعل ويفعل آلاف اللبنانيين».

لا يضمن المزارعون نوعاً ممتازاً لموسمهم. فارتفاع ثمن الأسمدة والتوقف عن دعمها أدّى إلى التخفيف من استعمالها هذا العام، ما سبّب تراجع الإنتاج والجودة.

وفي هذا السياق، يلفت ماورن العلم، إلى أن التبغ «زراعة غير مضمونة، إذ أنها معرّضة للمرض، رغم أنها مورد العيش الأساسي للأهالي. كما أن المزارع غير مضمون أيضاً، رغم وجود مشروع مقدّم إلى مجلس النواب لضمان المزارعين صحياً منذ أكثر من 12 سنة، لم يصدر حتى الأن»، مشيراً إلى أنه لهذا السبب، «يحاول عشرات المزارعين بيع إنتاجهم سراً إلى الأهالي الراغبين باستخادم أوراق التبغ لصناعة اللفائف للاستخدام الشخصي».