لا ينفضّ الطابور أمام محطة الوقود بسلام من دون وقوع إشكالات بين المنتظرين من جهة وبينهم وبين أصحاب المحطة من جهة أخرى. إشكالات تنقّلت بين بلدة ومدينة، وتطور بعضها إلى إطلاق نار تسبب بوقوع إصابات.
وإزاء التفلّت المتمدد وغياب الدولة وسريان الفوضى، تفتّقت قريحة بعض أصحاب المحطات وتجار الوقود على فكرة تكليف أشخاص يحرسون مؤسساتهم من جهة وينظمون الوقوف في الطابور من جهة أخرى.

هكذا ومن وحي الفوضى التي روّجت لمنطق الأمن الذاتي، ازدهرت مهنة حديثة هي: «بادي غارد» المحطات لقاء بدل مالي. إلا أنه، وعلى الطريقة اللبنانية، سرعان ما يتحول سلوك المكلفين تنظيم الطابور وحراسة ماكينات التعبئة إلى سلوك ميليشيوي.

وفي هذا الإطار، تنظر النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب بشكوى المواطن عبد الهادي حمود الذي تعرض للضرب أول من أمس أمام محطة للوقود في منطقة أبو الأسود في الجنوب، على يد أحد الأشخاص.




حمود ادّعى على «ب. ف» الذي «يقوم بمهام قوى الأمر الواقع في تنظيم بيع المحروقات ويسيطر على المحطات في مناطق نفوذه» كما جاء في الشكوى. المشتبه فيه «ضرب المدعي الذي لم يمتثل لأوامره خلال تنظيم الطابور».

بدايةً، عمد عدد من أصحاب المحطات إلى تكليف أشخاص لتنظيم الدور ومنع المزاحمة على الماكينات، بعد تكرار حوادث الاعتداء عليها وتكسير محتوياتها. لكنّ فئة أخرى استغلّت الأمر وبادرت إلى فرض نفسها على أصحاب المحطات والزبائن على السواء. على شاكلة الميليشيات والشبّيحة، تحتل مجموعة شبان محطة وقود ما وتجبر صاحبها على دفع خوات للسماح له بالعمل من دون مضايقات.

في المقابل، يتحكّم هؤلاء الشبان بتوزيع الأدوار على المنتظرين وفق مزاجهم. إنما الأولوية لمن يدفع لهم خوة، حينها، يسمحون له بتجاوز عشرات السيارات أمامه.

شكاوى عدة سُجلت في محطات الوقود التي شكّلت نموذجاً للفوضى العارمة من دون رادع. وقد طاولت أداء بعض عناصر قوى الأمن المولجين بضبط التجاوزات ومحاسبة المخالفين. كثر تحدثوا عن استغلال بعض العناصر الأمنيين لمهمّتهم في مراقبة عمل المحطات، بتمرير سيارات أقرباء وأصدقاء لهم في مقدمة الطابور على حساب من انتظروا لساعات.

ومن الشائعات المتداولة، قيام بعض الضباط ببيع «بونات» البنزين بأسعار مرتفعة. وهي قسائم تخصصها لهم قياداتهم وتسمح لهم بالتزوّد من محطات محددة من دون انتظار.

مكتب الخدمات المركزي في حركة أمل تطرّق إلى المخالفات الملازمة لأزمة البنزين. ووصف ما يحصل بـ«الجريمة الموصوفة»، مطالباً الأجهزة الأمنية «بحماية المواطنين وضبط الإشكالات والتجاوزات والفوضى الحاصلة أمام محطات المحروقات التي تفاقم معاناة المواطنين وتهدد أمنهم وسلامتهم»، علماً بأن المدعى عليه في حادثة محطة أبو الأسود محسوب على «أمل». فهل الاستنكار يكفي في ظل توالي الإشكالات وتعاظم خطر سقوط المزيد من الإصابات والعنف؟