تحوّل اعتراض شاحنات بضائع، على طرقات عكار، من أفعال فردية إلى ظاهرة تُنسب إلى «الثوار». وآخر هذه الاعتراضات حصل صباح اليوم، إذ قام عدد من الشبان باعتراض باص صغير على طريق عام حلبا ـ دير دلوم، والذي كان محمّلاً بالأدوية وعلب حليب الأطفال.

وبحسب المقاطع المصورة التي وثّقت ما حصل، فإن شباناً أوقفوا سائق الباص وتعرضوا له بالضرب والشتائم، قبل أن يفرغوا حمولته على الأرض، وذلك بالرغم من أن السائق أكد لهم أنه يعمل لصالح إحدى الشركات التي توزع حليب الأطفال والأدوية، وأن هذه الشحنة كانت في طريقها إلى عدد من صيدليات عكار.

على إثره، أوقفت استخبارات الجيش أحد المتورطين في الاعتداء، غير أن مثل هذه الحوادث المشابهة قد توقف خط البضائع على اختلاف أنواعها إلى عكار المحرومة.

وهذا الحادث ليس الأول من نوعه، وبالتأكيد لن يكون الأخير، مع تفاقم الأمور ورفع الدعم عن المنتجات والغلاء الفاحش، والاحتكار من قبل التجار، وغياب أي أفق للحل. وكان «ثوار المحمرة» قد أقدموا، يوم أمس، وبعد ساعات على قطع الأوتوستراد الذي يربط عكار بطرابلس عند نقطة المحمرة، على توقيف صهريج محمّل بالبنزين، وعملوا على إفراغ الحمولة في غالونات وتوزيعها في ما بينهم.

تكرار هذه الحوادث ينذر بأن الأمور خرجت عن السيطرة، وأن عكار باتت قاب قوسين أو أدنى من خيار العنف والفوضى المتنقلة في الشارع. وقد سلّطت هذه الحوادث الضوء على الفوضى التي تشهدها المحافظة، حيث يتحكّم عدد من الشبان في مصير الآلاف من أبنائها، الذين يستغيثون يومياً للعبور إلى طرابلس، وطلاب الجامعات الذين أنهكتهم حرب الأعصاب، أثناء محاولتهم الوصول قبل موعد بدء الامتحانات.

كذلك، طرحت هذه الحوادث تساؤلات عديدة حول «شرعية» الأعمال التي يقوم بها من يدّعون أنهم «ثوار»، وحول إذا ما كانت هذه هي الطريقة التي يتمّ من خلالها مساعدة أبناء عكار، وعن غياب الأجهزة الأمنية «المستقيلة» كلياً عن عكار، وحول إذا ما بدأت شريعة الغاب تفرض نفسها في الشارع.

وسرعان ما تحوّل المشهد إلى جدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين العكاريين. في السياق، كتب إبراهيم مرعب منشوراً موجهاً إلى شباب فنيدق، جاء فيه: «ليتكم أوقفتم آليات التهريب التابعة لآل البعريني، ولم توقفوا الفان التابع لشركة أدوية ترسل الحليب للمنطقة».

كما حذّر عدد كبير من الناشطين من التصرفات «الغوغائية»، التي ستؤدي حتماً إلى معاقبة عموم أهالي عكار، داعين إلى «مراقبة الحدود لمنع التهريب، خصوصاً أن المهربين معروفون، وطرق التهريب أيضاً معروفة وواضحة، متسائلين لم لا تَجر مراقبتها، وإقامة حواجز عليها، ومصادرة المنتجات التي تخرج من البلاد، بدلاً من التعرض لوكلاء الشركات في المناطق.

وأعلن «ثوار البيرة» أيضاً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، «خروجهم من الشارع، اعتراضاً على أعمال الهرج والمرج التي تجري في شوارع عكار، مؤكّدين أن هذه الأعمال مرفوضة كلياً، وأن توقيف شركة أدوية على الطريق، وإفراغ حمولتها، هما محطّ إدانة».

في الإطار، حذّرت مصادر متابعة من أن «ما نشهده هو مقدمة للانفلات الأمني، وهو لا يمتّ إلى الثورة بصلة، بل عبارة عن تشبيح وزعرنات»، لافتةً إلى أنه «إن لم تقم القوى الأمنية بالتحرك سريعاً، من جهة منع قطع الطرق تحديداً، ومنع التعرض للمارة، فإننا سنكون أمام سيناريوات مختلفة، لأن هناك فئة متضررة من حوادث قطع الطرق والتشبيح على الطرقات». وأضافت أن «الخوف هو من ولادة شارع في وجه شارع، مؤكدة أن ما يجري خطير للغاية، وينذر بفتنة، لأن الناس انتقلت من التململ والشكوى الى العنف والفوضى».

وفي هذا السياق، اعتبر عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أسعد درغام، عبر حسابه على «تويتر»، بأن «ما يجري من اعتراض وكلاء الأدوية وحليب الأطفال مرفوض ويشكل ذريعة للشركات لعدم إرسال مندوبيها إلى عكار». من جهته، طالب مفتي عكار، الشيخ زيد بكار زكريا، قطاع الطرق بالتوقف عن ممارساتهم، ودعاهم إلى «الضغط لمنع التهريب عبر الحدود».