للصيف الثاني على التوالي، يتحكم فيروس كورونا وارتفاع سعر صرف الدولار في برامج حفلات الزواج. ورغم أن عدد الأعراس في هذا الصيف زاد عن العام الماضي، إلا أن أبرز المراسم المرتبطة به لا تزال مفقودة لدى غالبية العرسان.
تزامن أزمتي جائحة كورونا وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ضربا موسم الأعراس. كثر ألغوا حفلات الزفاف، بينما اضطر آخرون إلى تأجيل زواجهم من الأساس، إذ لم تعُد تكلفة تنظيم حفلة عرس أقل من تكلفة تأسيس منزل زوجي.

العام الماضي، كان كورونا المانع الأساس لإتمام الفرحة، في ظل قرار التعبئة العامة التي منعت التجمعات والمناسبات، ما اضطر كثر إلى إلغاء الحفلات أو حصرها بتجمع صغير في البيوت. أما هذا العام، فالمانع الأكبر هو ارتفاع الأسعار المرتبطة بالدولار من حجز قاعة المناسبات إلى بطاقات الدعوة والفستان وشهر العسل.

حال غوى الزين كحال كثيرات من الفتيات اللواتي انتظرن أفول كابوس كورونا للبدء بتحضيرات مراسم زفافهن بـ«الطنة والرنة»، لكن كابوس الدولار كان أسوأ لمن مدخراته وموارده بالليرة اللبنانية. وفي هذا السياق، تشير الزين إلى أن «العروس المقيمة في لبنان لم تعُد تجرؤ على الحلم بيوم زفافها، فقد صار مكلفاً وتحقيقه شبه مستحيل».

تكابد الزين متاعب وعراقيل كثيرة في إتمام التجهيزات التي تأجلت مراراً، قائلة: «لم أعد على يقين من أنني سوف أزف» بعدما أجبرتها الأزمة الاقتصادية على التخلي عما كان في خانة «الأساسي» سابقاً.

وفيما ستضطر «آسفة» إلى استبدال الفستان بسروال وسترة، تسأل بحسرة: «كيف أكون عروساً من دون فستان؟»، وتضيف أن «بدل إيجار فستان ذا تصميم عصري وبحالة جيدة غير مستهلكة، لا يقل عن 20 مليون ليرة لبنانية، حتى إن الفساتين المستعملة وذات التصميم القديم لا يقل إيجاره عن مليوني ليرة».

وقد أنتجت أزمة فستان الزفاف، التي صارت مشتركة بين كثيرات، مجموعات «الإعارة» على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات «الواتساب»، حيث تعرض إحداهن فستاناً للإعارة أو الإيجار بسعر رمزي أو مجاناً من دون أن تكون صاحبة محل.

«قطوع» الفستان ليس سوى البداية. إيجار صالات الأعراس أعلى بكثير. وبدل إيجار قاعة مغلقة من دون أي خدمات أخرى لا يقل عن ألفي دولار. وقد يختلف السعر قليلاً بين منطقة وأخرى، ولا سيما بين المدن الكبيرة والأطراف، فيما ترتفع بشكل كبير بدلات إيجار المساحات المفتوحة التي كانت سابقاً لا تقل عن 15 ألف دولار.

ارتفاع البدلات مع الخوف من عدوى كورونا بالاختلاط، شجع كثيرين على إحياء الزفاف التقليدي في منزل العروس. زفة خارج المنزل وزينة في غرفة الاستقبال تحولها إلى قاعة مصغرة و«بوفيه» لضيافة المدعوين.

إمكانياتها المتواضعة وعريسها، دفعتهما إلى التفكير في الاستغناء عن الزينة والزفة والاستقبال، لتكتفي بجلسة تصوير لا يبقى سواها من هذا اليوم. كلفة الجلسة المختصرة نصف مليون ليرة!

وبات التفكير بالسفر لقضاء شهر العسل من المحرمات. الحجوزات بالدولار الطازج من تذكرة السفر إلى الإنفاق في البلد المقصود.

أما كاترين زغيب، فتتمتع بظروف أفضل من الزين. العروس تأقلمت مع الأزمة وقررت تحدّيها. «لا شيء يشير إلى تحسن الأوضاع، فلماذا الانتظار؟»، تقول. وما ساعدها على تنفيذ خطوتها أنها أنجزت تجهيز منزل الزوجية «قبل أن ترتفع الأسعار أكثر». وقد أصرّت على اختيار فستان «haute couture» حتى لو اضطرت إلى بيع ذهب تملكه، «فهي مرة في العمر» كما تشير.

زغيب أقامت عرساً. وقد دعت نحو 150 شخصاً إلى مكان واسع ومفتوح حجزته بداية العام الجاري ودفعت لصاحبه المبلغ بالليرة اللبنانية باحتساب سعر صرف الدولار على 9 آلاف. وفيما تقول: «اتفقنا على أن نثبت السعر على تلك القيمة حتى لو ارتفع سعر الصرف عند موعد الزفاف»، تشير إلى أن ارتفاع الأسعار الهائل أجبرها على «تخفيض حجم ونوعية الكماليات مثل زينة الورود».

بدورها، ستزف رنا دغفل في حزيران الجاري أيضاً. وبسبب كورونا، أحجمت عن تنظيم حفلة عرس. وعوضاً عن تكلفة الحفلة الملغاة، قررت التعويض عن حفلة العمر، بصرف مدخراتها على الفستان المميز وجلسة تصوير لافتة توثق ليلة العمر.

ترتبك دغفل لدى التفكير في التكلفة العامة، لتقول: «أحياناً أقول في نفسي من غير العدل أن أتكبد تكلفة باهظة على فستان سأرتديه لساعات. وأحياناً أفكر في أني أعوض عن تضحيتي بالعرس، بالاهتمام بإطلالتي من الفستان إلى الماكياج وتصفيف الشعر». وفيما في الأساس تخطو نحو الانتقال إلى بيت الزوجية مثقلة بهموم مادية كثيرة، تقول إن «كل ما كنت قد ادّخرته لتجهيز المنزل ذهب سدى مع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار. أنا وخطيبي نعمل من الفجر للنجر ونقبض أجوراً لم تعد تساوي شيئاً».

ورغم أن كثيراً من العرسان قبل الأزمة كانوا يستغنون بإرادتهم عن حفلات الزفاف ويوفرون نفقاتها لصرفها على السفر إلى أكثر من بلد، فإن ذلك صار من الماضي.

في مثل هذا الشهر من موسم صيف 2019، بلغت نسبة الحجوزات لشهر العسل 150 حجزاً في مقابل عشر حجوزات لصيف 2021 لدى محمد بركات صاحب إحدى وكالات السفر. ولفت بركات إلى أن انخفاض الحجوزات سُجّل رغم «انحسار كورونا ورفع القيود وفتح المطارات».