في الأول من الشهر الجاري، أعلن البنك اللبناني للتجارة (BLC) الإغلاق النهائي لفرعه في مدينة الهرمل. خبر عادي في خضمّ الأزمة المالية والاقتصادية. ما ليس عادياً أن الإعلان جاء من دون سابق إنذار. وما لم يخلُ من لؤم هو توقيت الإقفال في مطلع الشهر، موعد استحقاق رواتب آلاف الموظفين، الحاليين والمتقاعدين، ممن «وطّنوا» رواتبهم في المصرف المذكور.تذرّعت إدارة المصرف لإقفال الفرع نهائياً باعتصام نفّذه سبعة من أولياء الطلاب في الخارج مطالبين بتطبيق قانون الدولار الطالبي، وعمدوا خلاله إلى إقفال أبواب الفرع لنصف ساعة، بالتزامن مع تحركات مماثلة في بقية المناطق. وهو «عذر أقبح من ذنب» بحسب نائب الهرمل السابق نوار الساحلي، إذ أن «ما اقترفه المصرف هو جريمة بحق المنطقة بأكملها لأنه المصرف الوحيد المتبقّي فيها والذي يعتمد عليه أبناء المدينة وقرى القضاء». وسأل النائب إيهاب حمادة عن «سبب عدم إقفال فروع في مناطق أخرى يتظاهر أمامها أهالي الطلاب منذ ثمانية أشهر، وسبب عدم تحرك مصرف لبنان والدولة اللبنانية تجاه موظفي القطاع العام وأهالي المنطقة؟».
وقد أُثيرت تساؤلات حول محاولة المصرف تحميل وزر قرار الإقفال لبضعة معتصمين، وما إذا كان القرار يندرج ضمن «سياسة تفريغ المنطقة من المصارف في إطار الضغط على أبناء محافظة بعلبك الهرمل وبيئة المقاومة». إذ أن «اللبناني للتجارة» هو المصرف الثالث الذي يقفل أبوابه في الهرمل في غضون سنتين، فيما أقفل مصرف «فرنسبنك» فرعه في بلدة اللبوة على مسافة 25 كيلومتراً الشهر الماضي، ويجري تداول أخبار عن نية فروع أخرى الإقفال في قرى المحافظة. فيما لم يفتح فرع «فرنسبنك» أبوابه في بعلبك منذ ثلاثة أيام.
إقفال المصرف من ضمن سياسة الضغط على أبناء بعلبك - الهرمل وبيئة المقاومة؟


عضو «جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج»، شكري حمادة، قال إن إدارة المصرف «حاولت تبرير خطوتها الملتبسة ببيان لا يقل خبثاً عن قرار الإقفال، فلجأت إلى رمي كرة الفتنة بين لجنة أهالي الطلاب في الخارج والمودعين من أبناء المنطقة في محاولة لتضييع الجريمة التي ارتكبتها بحقهم». واستغرب حمادة صدور القرار «بعد مفاوضات وتواصل مستمر بين اللجنة والإدارة الإقليمية للمصرف ومطلبنا الأساس كان تسديد كامل أقساط أولادنا في جامعاتهم خارج لبنان حتى لا يُحرموا من تحصيلهم العلمي. وعندما زرنا الرئيس نبيه بري لفت إلى حقنا بتقديم دعاوى قضائية تستند إلى القانون الصادر عن مجلس النواب. الدعاوى القضائية قوبلت من إدارة المصرف بالتواصل معنا للتوقيع على تنازلات شاملة مبرّئة لذمة المصرف عن كامل حساباتنا لطلابنا في الخارج، في عملية ابتزاز واضحة، وأمام رفضنا وتنفيذنا للاعتصام فوجئنا بالإقفال في اليوم الثاني بحجة أننا تهجّمنا على أحد الموظفين».
على أيّ حال، القرار أدّى إلى أزمة حقيقية لنحو 3500 من أصحاب الحسابات الذين بات يترتب عليهم التوجه إلى «أقرب» فرع للمصرف، في بلدة الفرزل على مسافة نحو 140 كيلومتراً ذهاباً وإياباً، لقبض رواتبهم، في ظل أزمة محروقات خانقة. أما من يقرر قبض راتبه من مصرف آخر (أقربها على مسافة 30 كيلومتراً)، فعليه أن يلتزم بسقف السحب اليومي الذي لا يتجاوز 400 ألف ليرة، مع ما يعنيه ذلك من زيارات متكررة لآلات السحب على مدى أيام، ناهيك بعمولات تفرضها المصارف على عمليات السحب لغير مودعيها. فعلى مدى يومين، قصد أحد العسكريين في الجيش مدينة بعلبك على مسافة 60 كيلومتراً لتقاضي 800 ألف ليرة من الصراف الآلي لأحد المصارف، «وعلى هالمعدل بدي قضّي كل مأذونياتي هذا الشهر لحتى اسحب معاشي». فيما عمد كثيرون الى إعطاء بطاقاتهم لأبناء وأقارب يقيمون في بيروت لسحب معاشاتهم.
الاتصالات التي أجرتها حركة أمل مع إدارة المصرف للتراجع عن القرار لم تسفر عن نتائج إيجابية حتى الآن، فيما استبعد مصدر في المصرف الوصول إلى «خواتيم سعيدة». وفيما طُرحت اقتراحات بنقل توطين الرواتب أو فتح حسابات جديدة أو إصدار أوامر قبض إلى مكاتب المالية في المحافظة، أكدت مصادر مصرفية صعوبة فتح حسابات جديدة للمودعين في مصارف أخرى. وأكد مصدر في وزارة المالية أيضاً وجود صعوبات أمام تحويل رواتب الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين إلى مكاتب المالية لأن ذلك يستدعي قراراً من وزارة المالية والحكومة.