لطالما وضع الجنوبيون تحرير أرضهم في كفة وتحرير معتقلي الخيام في كفة أخرى. المعتقل الذي أنشئ عقب إقفال معتقل أنصار في نيسان 1985 إثر اندحار الاجتياح الإسرائيلي إلى الشريط الحدودي، وسع مساحة الاحتلال من الجنوب إلى مختلف المناطق. فقد مر به الآلاف من مناطق وانتماءات مختلفة، جمعهم جلاد واحد.
القهر الجماعي في المعتقل القاسي تباين بين أسير وآخر طوال 15 عاماً. لدى بعض الأسرى أو عائلاتهم ندوب جسدية ونفسية لم يبددها الزمن برغم نشوة التحرير. ندوب تتجدد كلما لاح عميل سابق أو أعفي عن عميل مطلوب، كما حصل مع جزار الخيام عامر الفاخوري.

أحد ضحايا الفاخوري، الأسير هيثم دباجة الذي سقط بسبب التعذيب. واجه دباجة أقسى معاملة بعد تصدّيه للعميل عقل هاشم الذي انتقم منه أشد انتقام. ابن بلدة بنت جبيل لم ينه أعوامه العشرة في برد وقيظ الخيام بالحرّية عام 1995، بل بذبحة قلبية توّجت الأمراض التي أصابته بسبب التعذيب وسوء المعاملة والتغذية والطبابة. أحد مقاتلي «المقاومة الإسلامية» لا يزال حرقة تلسع عائلته كلما تساهل الوطن المحرر بالدماء، مع الخونة والعملاء.

شقيقة دباجة، ابتسام، تستذكر معاناة العائلة المواكب لمعاناة هيثم داخل زنزانته. «لم يسمح لأهلي برؤيته رغم الوعود الكثيرة والخوّات التي دفعوها للعملاء مقابل زيارته. رحلت والدتي قبل أن تفرح بحرّيّته لتتركه وراء القضبان مع ثقل خبر وفاتها وتداعياته على حالته الصحية الصعبة».

هيثم غلبه قلبُه. لكن داوود فرج ورفاقه الثلاثة من أبناء «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» قاوموا المخرز بالهروب الكبير نهاية العام 1992. خلف جدران المعتقل نفسه، أحيكت خطة فرارٍ تاريخيّة استوحيت من فيلم «The Great Escape».
فرج ورفاق الزنزانة محمد عساف وسعود أبو هدلا ومحمود رمضان وسّعوا قضبان الزنزانة بخيطان صوف جمعوها لأشهر. تمكّن فرج وعساف من الفرار إلى خارج المنطقة المحتلة، فيما ألقي القبض على رمضان وأبو هدلا. قصة وثّقت في كتاب «دهاليز الخيام ــــ على بوابة الوطن».