تتسارع التحضيرات لعقد قمة المناخ الـ 26 نهاية هذا العام في غلاسكو. وهي قمة مصيرية بالنسبة إلى اتفاقية باريس للمناخ لاعتبارات عدّة، إذ إنها الأولى بعد عودة الولايات المتحدة الى الاتفاقية، وتأتي بعد إرجاء قمة العام الماضي التي كان مقرراً أن تقيّم بدء تنفيذ اتفاقية باريس 2015 التي تنصّ على بدء التنفيذ بعد خمس سنوات من إقرارها. كما تعتبر مصيرية لناحية تعهّد الدول المتقدمة والغنية بتمويل صندوق المناخ بمئة مليار دولار سنوياً، بدءاً من عام 2021.كذلك، تنعقد القمة بعدما فشلت آخر قمة (كوب 25) عقدت في مدريد عام 2019، في الاتفاق على آلية عالمية حول سوق الكربون، وهو ما سيكون أهم موضوع محوري مؤجّل لقمّة هذا العام، إضافة الى عرض تعهدات كل دولة بخفض انبعاثاتها، لضمان عدم ارتفاع درجة حرارة الأرض أكثر من درجة ونصف درجة.
استباقاً للقمة، تعقد اجتماعات وزارية في الأمم المتحدة، وطلب الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش من مجموعة الدول السبع إدراج هذا الملف على جدول أعمال قمتها المقررة في حزيران المقبل، وإصدار تعهد بوقف انشاء محطات جديدة تعمل على الفحم الحجري بحلول عام 2030 للدول الصناعية المتقدمة و2040 عالمياً. كما دعا الرئيس الأميركي جو بايدن الى قمة تستضيفها بلاده غداً لمناسبة اليوم العالمي للأرض.
كذلك عقد أخيراً لقاء اقليمي في الامارات العربية المتحدة لوضع خريطة طريق للتعاون بين دول المنطقة والاتفاق على كيفية التفاوض في قمة غلاسكو.
ورغم ظروف جائحة «كورونا» التي أدّت الى تراجع الاقتصاد وموازنات الدول، وبالتالي اضعاف حظوظ ملف المناخ من الحصول على التمويل المطلوب، يبقى الرهان على تكثيف اجتماعات التنسيق التي تسبق القمة، وخصوصاً على المستوى الإقليمي، اذ تتشارك دول الإقليم في أنها، جميعها، بلدان نامية، ولديها مصالح مشتركة، ويفترض أن يكون موقفها موحداً في المفاوضات، ومنسّقاً مع بقية البلدان النامية حول العالم، كما كان يحصل دائماً منذ ابرام اول اتفاقية اطارية حول المناخ عام 1992. فمنذ ذلك الوقت، برز تحالف دولي واضح بين البلدان النامية مع الصين، في مقابل الدول المتقدمة، تمكّن من فرض أجندة منطقية وعادلة اثناء ابرام البروتوكول التنفيذي لهذه الاتفاقية الإطارية في كيوتو عام 1997. البروتوكول الشهير الذي حمل عنوان «بروتوكول كيوتو» نص على أن تبدأ الدول المتقدمة صناعياً بخفض انبعاثاتها اولاً، ومنح البلدان النامية عشر سنوات لإبرام اتفاقية ثانية تحل محل البروتوكول يلتزم بها الجميع بخفض الانبعاثات. كما فرضت نظرية «المسؤولية التاريخية» للبلدان المتقدمة التي حصلت فيها الثورة الصناعية عن تراكم الانبعاثات في الغلاف الجوي، كمقدمة للمطالبة بتعويضات للبلدان النامية. أهم هذه التعويضات نقل التكنولوجيا النظيفة المنتجة في البلدان الصناعية المتقدمة الى البلدان النامية، وتمويل مشاريع للتخفيف من الانبعاثات، ودعم سبل التكيف مع التغيرات المناخية، ولا سيما مع توقع التقارير الدولية ذات الصلة حصول كوارث مناخية في بلدان غير مجهزة للتعامل معها والحد من اضرارها البشرية والمادية المؤكدة. ولا نعرف اذا كان الجانب المفاوض في البلدان النامية وفي دول الاقليم، قد درس كل تاريخ المفاوضات حول هذه القضية والاتفاقيات ذات الصلة والمبادئ الأساسية التي قامت عليها، وكيفية درس سبل تمويل المشاريع الجديدة، والاستفادة من فرصة هذا الاهتمام العالمي المستجد الذي يفترض أن ينجم عنه في النهاية تمويل ما لمشاريع جديدة، تحت عنوان عريض وضع على جدول أعمال قمة غلاسكو، هو كيفية تسعير الكربون وبيعه. وهو الباب الذي يفترض أن تدخل منه دول المنطقة لتمويل مشاريع تخفف من انبعاثات الكربون، والتي تحسم من الدول المتقدمة العالية الانتاج والانبعاثات.
سبق أن فشل بروتوكول كيوتو في الزام الدول المتقدمة في خفض انبعاثاتها، كما لم ينجح في ايجاد آلية لبيع الكربون، بعدما حصل احتساب مزدوج قوّض الهدف الذي من أجله تم اختراع هذا المخرج الذي أنقذ المفاوضات آنذاك (ولم ينقذ المناخ).
ليست دول المنطقة متشابهة بالطبع في كيفية التعامل مع مؤتمرات المناخ، كما أنها ليست متشابهة بطبيعة انظمتها وسياساتها في القطاعات كافة. وهناك فروقات كبيرة بين الدول النفطية وغير النفطية، وبين دول تدعم الوقود الأحفوري وأخرى لا تدعمه. كما أنه ليست هناك سياسات موحدة حول الطاقة ولا حول البدائل. فبعض دول المنطقة النفطية، بالإضافة الى تقدمها بمشاريع كبرى نسبياً لتوليد الطاقة الكهربائية من الشمس للتخفيف من الاعتماد على النفط، لا تزال تراهن على انشاء محطات نووية لإنتاج الطاقة، رغم المخاطر التي دفعت بلداناً متقدمة صناعياً مثل المانيا الى وضع برامج للتخلص نهائياً من هذه المحطات الخطرة، ولا سيما بعد حادثة مفاعل فوكوشيما (اليابان) عام 2011. بينما تفكر بلدان اخرى في أن تصبح نفطية، رغم تمتعها بقدرات هائلة من الطاقات المتجددة كالشمس والهواء وقوة تدفق المياه!
رغم هذه الاختلافات وغيرها الكثير مما لا مجال لسرده، يمكن الاتفاق على قواسم مشتركة تشكل قوة تفاوضية مهمة، ولا سيما لناحية حاجتها جميعاً، كبلدان نامية، الى التكنولوجيا الجديدة والنظيفة، من أجل توليد طاقة نظيفة او من اجل توفيرها، عبر الاعتماد على تكنولوجيات موفرة في الأدوات الكهربائية كافة، وذلك تطبيقاً لمبدأي «الملوث يدفع» و«المسؤولية التاريخية» للبلدان المتقدمة. ولا يتعلق الموضوع هنا بفتح باب الاستيراد للمنتجات ولهذه التكنولوجيا، بل بنقل المعلومات مجاناً وتوطين هذه التقنيات وإنتاجها في البلدان النامية. وهذا هو المعنى الحقيقي لـ«التعويضات» المطلوبة ولمقولة «نقل التكنولوجيا»، التي طالما وضعت على جداول أعمال مؤتمرات ومفاوضات المناخ كبند رقم 4، بعد بنود التخفيف والتكيف والتمويل.
وعلى بلد مثل لبنان، في هذا المجال، أن يكون مستعداً قبل غيره، بسبب أزمته الاقتصادية الحادة، وبعد الكوارث التي تعرّض لها، مع انفجار المرفأ وتدمير نصف العاصمة، لأن يعيد الإعمار على قواعد البناء الأخضر الذي يقوم على حفظ الطاقة والتكيف مع تغير المناخ. وأن تدرج هذه القضية ومتطلبات التكيف مع تغيّر المناخ أثناء البدء بمفاوضات تمويل البنك الدولي وباريس (سيدر) وغيرها من الصناديق والمبادرات الكثيرة، مع العلم بأن الكوارث التي بدأت مع جائحة «كوفيد 19 ولن تنتهي معها، والتي ستضاف اليها عاجلاً كوارث المناخ… ستفرض بقوتها أطراً جديدة للتعاون الدولي، تقوم على القواعد التي ذكرنا. وعلى البلدان جميعاً، ولا سيما المنكوبة كلبنان، أن تكون سبّاقة ومستعدة للتعاون مع المستجدات، وأن تحضر لتمويل مشاريع نظيفة بكل المعاني.







اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا