التعليم في العالم كله يأخذ منحى جديداً في ظل جائحة «كوفيد 19». ويتجه صانعو القرار في الأنظمة التربوية إلى مراجعة كل ما يتعلق بآليات انتقال التعليم من الغرفة الصفية إلى التعليم الرقمي الذي لم يعرف بعد ما إذا كان سيطبع هذا العصر دون رجعة. في خضمّ هذه المتغيرات، أظهرت بعض الأنظمة التعليمية ثباتها وسهولة انتقالها من الزوايا الأربع للغرفة الصفية إلى التعليم عن بعد، من دون عقبات كبيرة، فيما برزت الصعوبات في الأنظمة التعليمية الهشّة التي لم تبنَ في أساسها على مواكبة العصر والتطور التكنولوجي.في لبنان لا معلومات رسمية بعد عن الصعوبات التي تواجه هذا الانتقال المفاجئ، ولا عن الآلية التي يعمل بها المعلمون والمختصون سواء في القطاع الخاص أو العام، ولا عن الكيفية التي يجب أن يُعمل بها مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي الفئة الأكثر حاجة إلى المتابعة على كلّ الأصعدة النفسية والنمائية والأكاديمية. كما أن لا تجربة حقيقية حتى الآن لرصد ما يقوم به المختصّون في هذا الميدان، ولا معلومات واضحة عن وضع هؤلاء الأطفال وما إذا تمت تهيئتهم لهذا الانفصال عن المدرسة على الصعيدين النفسي والانفعالي، خصوصاً أن خدمات التربية المختصة تابعة بمعظمها للقطاع الخاص، ولا مرجعية واضحة لها تمكّن الأهل أو الوزارات المعنية من المتابعة أو المحاسبة، فضلاً عن أن كل مؤسسة تعمل وفق منهاج خاص بها.
النظام التعليمي لم يلحظ في أصل بنائه الفروقات والاحتياجات الفردية للأطفال


عدم وضوح الرؤية في هذا المجال يعيدنا إلى نظرية ثورندايك في المحاولة والخطأ، إلى أن نكتشف لاحقاً - وربما بعد فوات الوقت - أن تجاربنا في مجال التعلم عن بعد مع فئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة غير نافعة ولا هي موحّدة بين كل المؤسسات التربوية. فالوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع أسعار الخدمات التربوية، مثلاً، جعلا كثيرين من الأهل يتخلّون عن اللجوء إلى عدد من المختصين من أجل خدمة واحدة، أو ربما الانسحاب كلياً من متابعة أولادهم. فالأولوية، الآن، بالنسبة إلى الأهل هي تلبية احتياجاتهم الفسيولوجية. هذا إن سلّمنا جدلاً بأن معظم الأهل لديهم ما يكفي من «الجرأة» لمتابعة أولادهم ذوي الاحتياجات الخاصة في المراكز المختصّة. وعليه، هناك فئة لا نعرف عنها إلا سراً ولا سبيل إلى إعانتها والمطالبة بحقها في التعلم والاندماج.
النظام التعليمي في لبنان لم يلحظ في أصل بنائه الفروقات والاحتياجات الفردية للأطفال، ولا التغيرات الطارئة على التعليم في ظل هذه الجائحة. ولم يقم بتدريب المعلمين بشكل كافٍ خصوصاً من يعملون مع الأطفال ذوي الصعوبات التعلّمية. علماً أن هذه الفئة تُعد الأكثر انتشاراً إذا ما عدنا إلى الإحصاءات العالمية. فقد ذكرت الجمعية البريطانية للديسلكسيا أن الأشخاص الذين لديهم صعوبات تعلّمية فقط يشكلون 10% من السكان في بريطانيا. وفي لبنان الذي لا يعترف بالإحصاءات، تشير المتابعة الميدانية إلى أن عدد الأطفال الذين لديهم صعوبات تعلّمية لا يستهان به ويشكلون فئة كبيرة تستحق الالتفات إليها وإجراء الدراسات حولها والعمل بشكل جدّي على إيجاد برامج دعم وتدخّل بما يتلاءم مع احتياجات كل فئة منهم.
ألم ينادِ العالم بضرورة الاهتمام بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عبر دمجهم وتعليمهم وتطوير مهاراتهم؟ ألم نكن ننادي بتوعية الأهل في حملات - بعضها دعائي - بضرورة إلحاق أولادهم بالمراكز التي تُعنى بهم، لأن هناك مهارات لا يمكن تطويرها إلا مع فريق متعدد الاختصاصات؟ ماذا حلّ بالجمعيات التي تُعنى بهم، وهل استبدلت أعمالها المموّلة من المنظمات الدولية بالدراسات لتطوير آليات جديدة للتعلّم عن بعد، أم اكتفت بالتفكير بكيفية استثمار مشاريعها تجارياً فقط؟ وهل امتناع وزارة الشؤون الاجتماعية - حتى هذه الساعة - عن تغطية كلفة المتابعات التي تتم عن بعد سببُه الشحّ في الموازنة أم قناعة بأن التعليم عن بعد غير مُجدٍ مع هذه الفئة؟
* أستاذة جامعية

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا