يحتفل العالم، في الأول من آذار/ مارس من كلّ عام، باليوم العالمي للحماية المدنية أو الدفاع المدني، والذي كرّسته المنظمة الدولية للحماية المدنية، عام 1990. وقد ارتبط اختيار هذا التاريخ بذكرى بدء سريان مفعول القانون الأساسي للمنظمة في اليوم ذاته من عام 1972. ويحلّ عيد هذا العام تحت شعار «الحماية المدنية ودورها في حماية الاقتصاد الوطني»، الذي أُقرّ في الاجتماع السنوي الـ52 للمنظمة الذي عُقد في بيروت عام 2019.في لبنان، تأسّس الدفاع المدني عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية. وقد مرّ 62 عاماً على صدور المرسوم الاشتراعي الرقم 159 (بتاريخ 12 حزيران / يونيو 1959)، الذي حوّله إلى مديرية. كذلك، مرّ 47 عاماً على إنشاء أوّل وحدة عملانية، عُهدت إليها أعمال الإطفاء والإنقاذ والإسعاف، وهي تتبع لوزارة الداخلية والبلديات منذ عام 1979. ولكن برغم دمجه في مؤسّسات الدولة، إلّا أنّ هذا الجهاز وعناصره لا يزالون رهن الإهمال.

مشاريع شهداء مجاناً
شعار «تخيّل إنو منّن هون، تخيّل حالك من دونن»، يرتبط بعناصر الدفاع المدني، ويعبّر عن واقعهم بطريقة أو بأخرى. وبإلقاء نظرة على الموقع الإلكتروني التابع للمديرية، يمكن ملاحظة خريطة تضمّ عديد ملاك الجهاز، الذي يصل إلى 600 موظف من بينهم عدد من المتعاقدين. إلّا أنّه لا يمكن تحديد عدد المتطوّعين بدقّة، إذ إنّ ما لا يقلّ عن أربعة آلاف شخص يضعون أرواحهم في خدمة 230 مركزاً. لكن ما الذي يحصلون عليه في المقابل؟
في عام 2014، أقرّ مجلس النواب القانون الرقم 289، والذي ينصّ على تعديل هيكلية الدفاع المدني، عبر «تثبيت متطوّعي وأجراء ومتعاقدي الدفاع المدني». طُبّق القانون على المتعاقدين، لكنّه لم يشمل المتطوّعين حتى الآن! ووفق أرقام المديرية، فإنّ هناك حوالى 2500 متطوّع تنطبق عليهم شروط التثبيت، ويحق لهم المشركة في مباريات التثبيت. وقد قدّرت المديرية الحاجة إلى تخصيص 80 مليار ليرة لزوم تغطية رواتب المتطوّعين، لم توفّر وزارة المالية سوى ربعها.
وإن كان ما تقدّم يعني شيئاً فهو أنّ الدفاع المدني يشكّل نموذجاً لسياسة الدولة التي تهدر الإمكانات والأموال في غير مكانها المستحق. فالمتطوّعون مثلاً، لا يتقاضون أيّ راتب لقاء المشاركة في مهامّ الإطفاء والإسعاف والإنقاذ، بل يتدبّرون أمورهم وحاجاتهم من جيوبهم الخاصة. وفي حال أصيبوا خلال المهمة، فإنّ الدولة لا تغطّي علاجهم سوى في الحالات الطارئة، وليس في حالة الإعاقة الدائمة. أمّا في حال استشهد المتطوّع خلال المهمّة، فهو لا يُعامل تلقائياً كشهيد الواجب في الجيش والقوى الأمنية، إنّما تقدّم المديرية طلباً إلى مجلس الوزراء عبر وزارة الداخلية والبلديات لاعتباره شهيداً بمرسوم.

من مال المحسنين
كشفت كارثة انفجار مرفأ بيروت، في 4 آب/ أغسطس 2020، عن تقصير الدفاع المدني، باستثناء حماسة وهمَم عناصره ومتطوّعيه. وفي ما يشبه الصدقات والحسنات، توالت عليه هبات مادية ومساعدات عينية من عدد من الدول غطّت جزءاً يسيراً من الحاجات، البعض منها كان بديهيّاً، كالبدلات والوجبات والكمامات وسوائل التعقيم للوقاية من «كورونا». لكنّ الأزمة المتلازمة لعمل المراكز، تتمثّل في البطء في صيانة الآليات وتوفير الوقود لتشغيلها. كذلك، تعتمد غالبية المراكز على دعم البلديات التي تتولّى في الأساس توفير المبنى - المقرّ، وتجهيزاته اللوجيستية والوقود اللازم للآليات.