‌بعد 5 أشهر على بداية العام الدراسي، لم يطرأ أي تطور على مشهد التعلم عن بعد، في المدارس الرسمية بالحد الأدنى. لا يزال الأمر متروكاً للمبادرات الفردية للمعلمين والتلامذة ومدى قدرتهم على تأمين الأجهزة والوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم للتطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية وإنجاز فروض وامتحانات «أونلاين». استقالت مؤسسات الدولة من مهماتها وتقاذفت المسؤوليات في ما بينها. فلا وزارة التربية استطاعت أن تفي بوعودها بتأمين كومبيوتر محمول لكل تلميذ في المدرسة الرسمية، وتحولت كل نداءات الاستغاثة التي وجّهتها إلى «الأصدقاء في العالم» صراخاً في الفراغ، ولا وزارة الاتصالات أسهمت في توفير الإنترنت مجاناً للتلامذة، أو وضعت الصفحات التربوية على اللائحة البيضاء، ولا وزارتا الاقتصاد والشؤون الاجتماعية استقصتا حاجات التلامذة العينية والمادية للوصول إلى التعليم، ولا البلديات أو الأحزاب اجترحت حلولاً إن على مستوى توفير الأجهزة أو «توصيل» الإنترنت.بعد 5 أشهر، لا يزال تلاميذ في مدرسة رسمية يعرضون أشياء للبيع من أجل شراء هاتف محمول مستعمل لاستخدامه في التعلم، ولا يزال يعضهم يصعد إلى السطح في عز العاصفة لالتقاط إشارة «الإنترنت» من الجيران لمتابعة دروسه. الاستثناء الوحيد أن بعض المعلمين في عدد من المدارس أخذوا على عاتقهم الشخصي مساعدة تلامذتهم، بعدما لاحظوا عزوفهم عن تحصيل التعليم، وقرروا تحويل نداءات الاستغاثة إلى خطوات عملية.
نشط هؤلاء في الآونة الأخيرة في اتجاه جمعيات أهلية و«فاعلي خير» لشراء هواتف ذكية أو كومبيوترات مستعملة لتلامذة في المدارس الرسمية، وتحميلها برنامج «تيمز» المعتمد في هذه المدارس. ميريام واحدة ممن حصلوا على كومبيوتر، بعدما كانت تستخدم مع أختها وأخيها جهازاً خلوياً واحداً ذا طراز قديم لا يشغّل البرنامج، فيما يبحث والدها حالياً عمن يساعده في توصيل «الانترنت»، بعدما كانت الأسرة استخدمت طيلة الفترة الماضية تطبيق «واتساب» حصراً.
قبل 15 يوماً فقط، تمكنت ماجدة بخور، وهي أم لأربعة طلاب، من تركيب «واي فاي»، بعدما عانت من أعباء دفع رسوم «بطاقات الشحن» بسبب كمية الفيديوات والشروحات التي ترسل إلى «واتساب». وهي تؤكد أن نحو 30 في المئة فقط من تلامذة مدرسة أبنائها يمكنهم متابعة دروسهم على «تيمز».
لا يزال هناك تلامذة كثر غير قادرين على مواكبة التعلم بسبب ضيق الحال


متوسطة معروف سعد الرسمية، إحدى المدارس الكبيرة في صيدا، تضم نحو 1200 تلميذ، توسطت لدى الجمعيات و«الخيّرين» لمساعدة تلامذتها، «خصوصاً أننا نلمس رغبة جامحة لدى الأهل في تعليم أولادهم»، كما قالت آمنة المصري، وهي معلمة رياضيات وناشطة اجتماعية وتربوية. ولفتت إلى أن «50 في المئة من طلابنا فقط يصلون إلى تيمز و70 في المئة إلى واتساب». لكنها أشارت الى أن «المشكلة كبيرة، إذ قد نستطيع تأمين جهاز كومبيوتر، ولكن من دون «يو بي اس» أو «واي فاي»، وبالتالي يتعطل التعليم بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء أو لعدم وجود إنترنت». وترى المصري أن الأمل يبقى معقوداً على الجمعيات الخيرية لمساعدة التلامذة، كل في الحيّز الذي تعمل فيه، في انتظار أن تستفيق مؤسسات الدولة، يوماً ما.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا