عشية الذكرى السنوية الأولى لتسجيل أول حالة كورونا في لبنان، والدخول في حال الطوارئ الصحية والمواجهة الوبائية، تلوح لأبطال هذه الحرب معركة من نوع آخر وُلِدَت من رحم المواجهة الأصيلة: هي معركة حقوقية، يخوضها طلاب الطب في الجامعات اللبنانية بعدما دقّ ناقوس الخطر خبر وفاة الدكتورة الزميلة فردوس صفوان، إذ أطلقوا «الحملة الوطنية لدعم طلاب الطب في لبنان».وفاة فردوس في ظروف مفجعة تَلَتْ وفاة أخيها، استنهضت زملاءها لاستكمال مسار كانوا قد بدأوه قبل أشهر، مع نقابة أطباء لبنان، لتسهيل الإنتساب إلى النقابة. اليوم، يتجه هؤلاء الى زيادة زخم المطالبة وتوسيع مروحة المناشدات والإتصالات لتحشيد دعم وتشكيل رأي عام مناصر لقضيتهم، فهم غير محسوبين على مؤسسة أو جهة ضامنة - على عكس بقية العاملين في القطاع الصحي - ولا يسع المستوفين منهم لشروط الإنتساب للنقابة أن ينتسبوا، بسبب ارتفاع قيمة رسم الإنتساب مقابل إمكاناتهم المحدودة.
طلاب الطب في الجامعات هم أحد أركان القطاع الصحي، ولا تقلّ مسؤوليّاتهم شأنًا أو واجباتهم خطورةً عن بقية العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وموظفين، بل إنّ دور هؤلاء قد يكون أكثر تقدمًا. وكلّنا يتذكر الحملات الإعلامية والدعم الاستثنائي الذي ناله مستشفى الحريري في بداية الأزمة بسبب وحدة كورونا التي يتشكّل قوامها من طلاب أطباء يكملون تخصصهم في الطب الداخلي
تناشد الحملة النقابة تسهيل الإنتساب، لأنّها الباب الطبيعي والسليم لإحتضانهم. فضلًا عن أنّ العمل على إستحداث أي مسار جديد أو إطار رديف عبر الجامعات لحمايتهم سيتطلب مدّةً طويلةً لا يمتلكون ترفها اليوم. فبين الإغلاق العام والبيروقراطية الرسمية والسنوات التي يتطلبها إيجاد التشريعات والاطر القانونية لإيجاد اطار كهذا في دولة مكبّلة متعثرة، يحتمل أن يتجاوز عداد شهداء الواجب من طلاب الطب العشرات قبل أن تنجز المهمة.
حتى الساعة، تجاوز عدد حالات القطاع الصحي 2300 حالة، فيما سجلت أكثر من 10 حالات وفاة لأطباء وطلاب طب. الأعداد تتجه إلى التزايد، ولا يخفى على أحد اليوم الضغط الشديد الذي تعانيه مراكز الاستشفاء، والتهافت لمحاولة تأمين أجهزة تنفس وأسرّة لمساعدة أكبر عدد ممكن من المصابين المحتاجين للعناية. وعلى مستوى آخر، تكفي جولة سريعة على طلاب الطب في لبنان لتلمس الأعداد الرهيبة المصابة ضمن صفوفهم والتي تلقي بدورها بالثقل على غير المصابين.
المؤسف أنّ هؤلاء، إن اُصيبوا أو توفّوا، لا ضامن لهم ولا سند. هم طلّاب على الورق، وأبطال في الواقع. هم المسارعون في الخيرات الذين لم يلتفتوا أو يحسبوا حسابًا لاحتمال الإصابة أو فرضيات الوفاة عندما استدعتهم الحاجة والواجب الوطني والطبي. بعض هؤلاء باتَ مستقلًا عن ذويه الذين لم يعد يسعهم دعمه ماديًا. البعض الآخر مٌعيل لعائلته، أو اتخذ خطوة تأسيس عائلته الخاصة.
وعليه، قرعت الحملة الوطنية لدعم طلاب الطب باب نقابة الأطباء، حيث لا حاجة لتشريعات واطر جديدة، إنما لتسهيلات مادية تسمح بالإنتساب. حتى الساعة لم يتقدم موقف النقابة عن خيار تقسيط رسم الانتساب البالغ خمسة ملايين ليرة لمدة عشرة أشهر عبر أحد المصارف، فيما يطمح الطلاب للوصول إلى إعفاء أو تأجيل أو تقسيط لمدة تتجاوز 20 شهرًا، مستندين إلى ما يمليه الواجب الأخلاقي والإنساني والمهني من تضامن من جانب أساتذة وزملاء مهنة، كانوا في الموقع نفسه قبل سنوات.
هذه الخطوة إن انجزت لن تكون آخر المطالب، فلا زال الجانب المرتبط بالطلاب غير مستوفين لشروط الإنتساب لنقابة الأطباء شائكًا، أي المتدربين الذين لم ينالوا شهادة الطب العام بعد، وطلاب الاختصاص غير الحائزين إذن مزاولة المهنة بعد، ما يستدعي المسارعة في تشكيل لجان مشتركة بين الجامعات والنقابة ووزارتي الصحة والتربية لإيجاد إطار يحتضن هؤلاء أيضًا.
*طالب سنة سادسة في كلية الطب
في الجامعة اللبنانية