قبل نحو عام، مع بداية «اندلاع» الوباء، ترددت كثيراً مقولة أنّ «المحظوظين هم من يُصابون سريعاً، لأننا سنصل إلى وقت لن يجد فيه المصاب سريراً في أي مُستشفى». سواء استندت توقعات هؤلاء، حينها، إلى معرفة مُسبقة بآلية إدارة السلطات للأزمات أو الى تيقّنهم من عدم القدرة على التعويل على «ضمير» المُقيمين، فإنّ تلك «النبوءة» تحقّقت فعلاً. وتكفي جولة سريعة على طوارئ المُستشفيات التي تستقبل المصابين بالفيروس لتبيّن حراجة الواقع الصحي، حيث يفترش عشرات المصابين باحات الطوارئ، وبعضهم يُعالج في سيارات الإسعاف التي بات يصعب عليها تحديد وجهتها لنقل المصابين. إمّا بسبب ازدحام بعض المُستشفيات وعجز طواقمها عن الاستقبال، أو ــــ ببساطة ــــ لتعرّضها لـ«الطرد» من قبل مستشفيات لا تزال ترفض تحمّل مسؤوليتها الوطنية في هذا الوضع الصحي الحساس. وكانت لافتة أمس إشارة الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني، جورج كتانة، إلى أن عناصر الصليب الأحمر أنزلوا مصاباً على كرسيّ نقّال في باحة أحد المستشفيات تنفيذاً لتعليمات وزارة الصحة لإجبار المُستشفى على إدخاله، إلا أن عناصر الأمن أبقوا المريض في الباحة ولم يسمحوا بدخوله، ما اضطرّهم إلى العودة إلى «الدوران» به بين المستشفيات.وبناءً على الأرقام الأخيرة، فإن من الواضح أن مشهد «تقاذف» المصابين سيتكرر مع الارتفاع الجنوني للإصابات الذي لامس أمس الخمسة آلاف إصابة (4774)، 43 منها فقط وافدة، فيما سُجّلت 16 وفاة (إجمالي الضحايا وصل إلى 1553). هذه الأرقام تخطّت توقعات اللجنة الوزارية التي كانت تشير إلى بلوغ الإصابات حدود الأربعة آلاف بعد العاشر من الشهر الجاري.
ووفق رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، فقد عمدت وزارة الصحة إلى رفع عدد أسرّة العناية الفائقة في الفترة المنصرمة إلى 520 سريراً (كان العدد محدداً بـ 475 سريراً)، فيما أفادت الأرقام الرسمية أمس بأن عدد نزلاء العناية الفائقة وصل إلى 517، «ما يعني، فعلياً، أنه لا توجد أسرّة عناية فائقة شاغرة، وإذا لم يجر إضافة مئتي سرير دفعة واحدة، فإن الكارثة ستتفاقم».
لا تزال المُستشفيات الخاصة تربط رفع عدد أسرة العناية الفائقة بالحصول على مُستحقاتها من الدولة


أما الأسرّة الـ 100 التي وعد وزير الصحة حمد حسن بتجهيزها بالتعاون مع البنك الدولي، فقد أكّد عراجي أنها ستكون جاهزة «في غضون نحو شهر لأن الجهات المعنية في البنك الدولي تأخرت عن التنفيذ». وهذا يعني أن مصير رفع جهوزية الأسرّة سيكون بيد المُستشفيات الخاصة التي لا تزال ترفض استقبال المرضى ورفع جهوزيتها بحجة عدم تسديد مُستحقاتها المالية، علماً بأن وزارة المالية أعلنت قبل يومين أنها سددت خلال العام الماضي نحو 555 ملياراً للقطاع الاستشفائي. «صحيح أن لتلك المُستشفيات أموالاً وحقوقاً، لكن الوضع لا يتحمل»، وفق عراجي. فيما تبدو نقابة المستشفيات مستمرة في موقفها الابتزازي بحسب ما يعكسه ربط رئيسها سليمان هارون بتسديد الأموال لقاء تجهيز مزيد من الأسرّة.
رغم ذلك، فإنّ الملامح الأولية للإقفال التام الذي بدأ أمس لا توحي بأنه على قدر مواجهة الواقع الكارثي، سواء على صعيد التزام المُقيمين أو على صعيد تفعيل الرقابة وإلغاء الاستثناءات الكثيرة التي تضمّنها قرار الإقفال. وفيما كان منتظراً من التعديلات التي طرأت على قرار الإقفال المزيد من التشدد، تبيّن أن التغييرات التي أدخلتها رئاسة الحكومة طالت بالشكل الأساسي آلية حجر الوافدين الذين تعدّ نسبة الإصابة بينهم قليلة جداً مقارنة مع الإصابات الإجمالية، إضافةً إلى رفع القدرة الاستيعابية لموظفي وزارة المالية (من 25% إلى 50% كحدّ أقصى). أمّا اللافت الأبرز في تلك التعديلات، فيبقى ذلك المرتبط بالتشديد على إمكانية تعديله أسبوعياً استناداً إلى تقييم دوري ترفعه اللجنة الوزارية المخصصة لمواجهة فيروس كورونا. في انتظار ذلك، تبقى الفرصة شبه الوحيدة أمام المُقيمين للنجاة وتفادي خطر الموت على أبواب المُستشفيات الالتزام بالحجر المنزلي وبإجراءات التباعد الاجتماعي وتدابير الوقاية.



الفيروس يضرب مرتين؟
«ارتياح» عدد كبير من المُصابين السابقين «على وضعهم» بسبب «اكتسابهم المناعة»، لا يعني عدم تعرضهم للإصابة مرة ثانية، وفق ما أظهرت أرقام بعض المراكز الصحية في عدد من البلديات التي سجلت فيها حالات «إعادة الإصابة».
رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري أوضحت لـ«الأخبار» أن «الكلام عن الإصابة مرة ثانية خلال شهرين أو ثلاثة يحتاج إلى تدقيق علمي وإلى إجراء فحوصات مخبرية تشخيصية دقيقة تثبت خسارة الشخص المصاب لمناعته التي اكتسبها عند الإصابة الأولى»، مُشيرةً إلى أن نتائج الفحوصات المخبرية لإحدى المُصابات بقيت لمدة 50 يوماً تظهر إيجابية، «وعليه، قد تكون نتيجة المُصاب الذي يقوم بإعادة الفحص بعد شهر أو شهرين مرتبطة بإصابته في المرة الأولى مثلاً، فضلاً عن وجود هامش الخطأ في التشخيص (false positive) عند إحدى الإصابتين بحيث يعتقد المصاب بأنه أصيب مرتين». ورغم أن بري لم تنف تماماً وجود حالات في لبنان أُصيبت مرتين، «لكن الجزم علمياً بهذه الوقائع والسعي الى تحديد عدد تلك الحالات ترف لا تملكه وزارة الصحة في الظروف الراهنة»، لافتةً إلى أن هذا «لا يلغي أهمية أخذ الحيطة والحذر حفاظاً على حيوات المحيطين بالمُصاب».


تهافت على الأدوية وأجهزة الأوكسيجين
الهلع المترافق مع تفاقم الإصابات دفع كثيرين الى تخزين بعض الأدوية والمكملات الغذائية ومخفضات الحرارة، ما أدّى إلى انقطاع بعض أصنافها في السوق، فيما عمدت بعض الصيدليات إلى تقنين البيع (البانادول، مثلاً، بات يباع منه ظرفان كحد أقصى لكل مريض). نقيب الصيادلة غسان الأمين أوضح لـ«الأخبار» أن لا أزمة دواء فعلية، «ولكن على الناس أن تعتاد اللجوء إلى شراء أدوية الجينيريك لكثير من الأدوية من جهة. أما بقية البضائع التي تصنف متممات غذائية كالزينك والفيتامينات وغيرها فهي علمياً لا تعدّ علاجاً لكورونا، بل لاكتساب مزيد من المناعة، وسعرها يخضع لسعر الدولار، والتهافت عليها قد يؤدي إلى رفع أسعارها» واعتبر أن «تبديد القلق من مسؤولية الدولة ابتداء من مصرف لبنان الذي لم يُعلن حتى اليوم موقفه من خطة وزارة الصحة لترشيد الدواء ودعمه»، مشيراً الى أن «موافقة المصرف على الخطة كفيلة بحل 70% من المُشكلة لأن الناس سيرتاحون وسيتوقفون عن التهافت والتخزين». أما انقطاع الأدوية فيعزوه الأمين الى «العطل وخلل في نظام التوزيع وأدوية تأخر استيرادها لتأخر مصرف لبنان بإعطاء الموافقه على الدعم».
التهافت انسحب على أجهزة التزويد بالأوكسيجين التي تُستخدم في المنازل التي «نعاني من نقص كبير جداً فيها نتيجة التهافت على تخزينها»، وفق رئيسة نقابة مُستوردي المُستلزمات الطبية سلمى عاصي. ولفتت إلى أن أزمة المستلزمات الطبية لا تزال على حالها «إذ لم يتجاوب مصرف لبنان مع مطالبنا المرتبطة بتسهيل الاستيراد حتى الساعة».