مهما بدت قضية عدم شمول الفوط الصحية في سلّة الدعم هامشية بالنسبة إلى كثيرين، في ظلّ زحمة القضايا المعيشية، فإنّها تبقى، رغم كل محاولات تسخيفها، انعكاساً فادحاً لذكورية صنّاع القرار في لبنان، وشاهداً على غياب حساسيتهم تجاه أبسط حقوق النساء التي غالباً ما تُهمّش بحجة الأولويات.وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبإجماع الأطباء والاختصاصيّين المعنيين، ثمّة ارتباط جوهري بين الكرامة الإنسانية وبين «إدارة العادات الصحية أثناء الدورة الشهرية». وعليه، فإنّ المسّ بمستلزمات هذه «الإدارة» يُعدّ تعدّياً على الكرامة وانتهاكاً لحقوق الإنسان، باعتبار أن عدم تمكّن الفتيات والنساء من الوصول إلى مرافق الاستحمام والوسائل الآمنة للحيض هو فعل انتقاص لكرامتهن نظراً إلى المخاطر التي تتهدد صحتهن الجنسية والإنجابية الناجمة عن إهمال تلك الوسائل.
تقديرات جمعية حماية المُستهلك تشير إلى ارتفاع أسعار الفوط الصحية بفعل الأزمة الاقتصادية بنحو 70% (من 2750 ليرة الى 6500 ليرة لبعض الأصناف، ومن 4750 ليرة إلى 11500 ليرة لأصناف أخرى... وهكذا)، وذلك لأنّ غالبية الأصناف يتم استيرادها فيما «الصنف الوطني الوحيد» الذي تصنّعه محلياً شركة «سانيتا»، ارتفع سعره أيضاً، بسبب اعتماده على المواد الأولية المستوردة. وهذا «يدحض مزاعم وزارة الاقتصاد التي التفّت على مطلب دعم الفوط الصحية بإعلانها دعم المواد الأولية التي تدخل في صناعتها داخلياً»، بحسب المديرة التنفيذية بالشراكة في منظمة female علياء عواضة.
عواضة نبّهت، في اتصال مع «الأخبار»، إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار الفوط الصحية سيؤثّر حكماً على الصحة الجنسية للنساء «نظراً إلى اضطرارهن إلى استخدام نوعيات أقل جودة قد تُسبّب لهن أمراضاً تناسلية ما يرتّب أكلافاً صحية إضافية». وهو ما تؤكّده «الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية» حول تأثير النظافة الشخصية على الصحة الإنجابية والجنسية للمرأة التي قد تصاب بمشاكل تحسّس والتهابات، ما لم تكن الأدوات المتعلقة بالدورة الشهرية والنظافة الشخصية متاحة بشكل يضمن لها كرامتها ولا يتهدد مساحتها الشخصية.
هذا كله يعني أن إسقاط الدعم عن الفوط الصحية وما يرافقها من مستلزمات للعادة الشهرية هو بمثابة عنف مؤسساتي يمارس على الفتيات والنساء العاجزات عن تأمينها.
الارتفاع الكبير في أسعار الفوط الصحية سيؤثّر حكماً على الصحة الجنسية للنساء


وفي ظلّ تفاقم الوضع الاقتصادي وما سيرافقه من ارتفاع مرتقب في نسب الأسر الفقيرة العاجزة عن تأمين أدنى مقوّمات الحياة المعيشية، واشتداد الفقر على الأسر الأكثر هشاشة، فإنّ لبنان لن يكون بعيداً عما يُعرف بـ «فقر الدورة الشهرية»، وهو مُصطلح «خاص» بالدول النامية، حيث تحول العوائق المادية بين النساء والفتيات ذوات الدخل المنخفض وبين شراء منتجات الدورة الشهرية. والمصطلح يوصّف العبء المالي الذي تشكّله «إمدادات» الدورة الشهرية التي لا تشمل فقط المناديل الصحية والسدادات القطنية، بل تطاول أيضاً التكاليف ذات الصلة مثل مسكّنات الألم والملابس الداخلية. وعليه، فإنّ تأمين هذه الإمدادات، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان إيمان الشنقيطي، «جزء من الحفاظ على صحة النساء، لأن الحياة الصحية حياة متكاملة ولا تتجزّأ». الشنقيطي شدّدت على ضرورة تأمين المستلزمات الصحية الأساسية، خصوصاً في حالات الطوارئ والأوبئة، ومن ضمنها تأمين الأدوات التي تساعد في الحفاظ على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء.
حالياً، لا يبدو أن أياً من الجهات المسؤولة تأخذ في الاعتبار هذا الشق الحياتي الخاص بالنساء، إذ لا يزال توزيع الرزم الصحية (الفوط وغيرها من المستلزمات) محصوراً بالجمعيات الأهلية «التي لا تستطيع بدورها توزيعها شهرياً»، وفق عواضة، مُشيرةً إلى ضرورة التوصل إلى حلّ طويل الأمد يبدأ بدعم احتياجات النساء وتخفيف الضرائب على المواد المستوردة من الخارج «لأن النساء العاجزات عن تأمين ربطة الخبز لعائلاتهن سيكنّ أمام خيار المفاضلة عند كل شهر بين شراء القوت اليومي أو اقتناء الفوط الصحية ذات الحد الأدنى من الجودة»، ناهيك بالإمدادات الأخرى كالمياه والأدوية والمُسكّنات، والتي تشكّل عبئاً إضافياً يزيد من المعاناة التي ستحلّ بكثير من الفتيات والنساء.



500 % نسبة ارتفاع أسعار مستلزمات الحماية الشخصية
لفتت نائبة رئيس جمعية حماية المُستهلك ندى نعمة إلى أن نسب ارتفاع أسعار مستلزمات الحماية الشخصية وصلت أحياناً إلى 500%، مُشيرةً إلى ارتفاع أسعار معجون الأسنان بنسبة 75% والشامبو بنسبة 80% فيما تجاوزت نسب ارتفاع أسعار بعض المطهّرات 78%. وأشارت إلى أن عدم دعم أدوات النظافة الشخصية يعني الاستهتار بصحة المُقيمين، «فكيف يتم دعم الجوز، مثلاً، فيما تُهمل أدوات العناية بالفم والأسنان؟». وفي هذا السياق، شدّدت ممثلة منظمة الصحة العالمية إيمان الشنقيطي على أهمية الحفاظ على صحة الفم والأسنان خلال فترة الوباء والطوارئ لأن «الصحة كلّ لا يتجزأ». وعليه، فإن أي مسّ بالأدوات التي من شأنها أن تحافظ على صحة المُقيمين يعني تشريع تعريض صحتهم للخطر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا