مصيبة بيروت أنها، في كل مرة تقوم فيها «من تحت الردم»، تدفن جزءاً من روحها، حتى أصبح كثير من أحيائها ومناطقها، وتحديداً وسطها بعد إعادة إعماره، بلا هوية ولا نبض. الفصل المأساوي أعاد إنتاج نفسه بعد كارثة نيترات الأمونيوم التي مسحت، إلى الأبد، أعداداً لا تحصى من التحف واللوحات والمنحوتات والزجاج والأثاث الفاخر. بعضها توارثته عائلات عبر أجيال، وبعضها الآخر جمعه هواة التحف، عبر سنوات وعقود، من رحلات حول العالم، ناهيك بما كانت تحويه متاجر للتحف لحقت بها أضرار جسيمة.«آلاف المنازل والمتاجر في الأحياء التي طاولها الانفجار تضم إرثا فنياً وتاريخياً لا يُقدر بثمن»، بحسب الخبير في مجال التحف هشام حشوي. و«المشكلة الفعليّة تكمن في أنه، إضافة إلى رمزية بعض المقتنيات وقيمتها الفنية والحضارية، قد يستحيل عملياً تعويض أصحابها ما يعني خسائر هائلة قد يصعب تحديد حجمها بشكل دقيق».

(أ ف ب )


(أ ف ب)

وحتى لو أمكن تحديدها، فإن التعويضات الموعودة لن تشملها لأن «الدولة ليست شركة تأمين، والهم الأساس هو إعادة المواطنين إلى منازلهم بعد إعادة إعمارها» وفق محافظ بيروت القاضي مروان عبود.
حشوي أوضح أن «غالبية التحف والقطع الفنية الفخمة في المنازل والمتاجر في لبنان غير مؤمّن عليها. وأحد أسباب هذه المشكلة النقص في أعداد المخمّنين وافتقار معظمهم إلى الكفاءة والخبرة، ما يؤثر بشكل كبير على تقييمهم لقطع باهظة وتخمينها بأسعار زهيدة». المشكلة الأخرى أن «الكثير من التحف والقطع الفنية تُشترى من دون فواتير، وهو أمر شائع في هذا المجال نظراً إلى أن كثيراً منها يباع من أفراد يملكونها في منازلهم، ويُكتفى في مثل هذه الحالات بصور عن هوية الشاري والبائع لضمان أن القطع غير مسروقة».
خسر ميشال ناصيف، صاحب «غاليري ناصيف» للتحف في منطقة الجعيتاوي، بيته ومتجره في الانفجار. «أسّس والدي الغاليري عام 1945، وهي من أولى الغاليريهات المتخصّصة في مجال التحف في بيروت.
غالبية التحف والقطع الفنية في لبنان غير مؤمَّن عليها

وقد شهدت طوال عقود الكثير من الدمار، وكنا في كل مرة نبدأ من جديد. إلا أن هذه المرة قد تكون قاضية. فحجم الخراب لا يوصف والخسارة كبيرة جداً والكثير من التحف التي تضرّرت لن يشملها أي تعويض لأنها غير مفوترة. حصل الأمر عينه معي عقب انفجار الجعيتاوي عام 2007 إذ لم أحصل يومها على تعويض لعدم وجود فواتير تحدد سعر القطع، علماً أن هذا أمر طبيعي في هذه التجارة». أضف الى ذلك أن الفاتورة في أغلب الحالات لا تفيد في تحديد قيمة القطعة بشكل دقيق. «فالكثير من القطع تباع بسعر أقل بكثير من قيمتها الفعليّة لحاجة أصحابها إلى المال. كما أن الأسعار في هذا العالم قد تشهد قفزات هائلة خاصة إذا ما كانت القطعة فريدة من نوعها، أو كان أحد جامعي التحف يبحث عنها، والبعض قد يدفع مبالغ خيالية للحصول على قطع معيّنة وبأضعاف سعرها الفعلي» وفقاً لحشوي. يشكو ناصيف من التأخير في المساعدات إذ أن قيادة الجيش «اتصلت بنا بهدف تحديد حجم الأضرار بعد أكثر من شهر من الانفجار». أما الجمعيات «فهناك قدّ ما بدك، وقصدتنا بأعداد لا تحصى، وكلها تكتفي بأخذ الأرقام والوعود بالعودة قريباً. الجميع زارنا وما من أحد عاد». وشدّد على أنه لا «يمكن لعسكري أو شخص عادي تقييم أضرار في حالات كحالتنا. المسألة دقيقة جداً وتتطلب اختصاصيين وخبراء في مجال التحف والقطع الفنية».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا