عشرة أيام مرّت على التفجير - الكارثة، من دون أن يعرف اللبنانيون بعد «هوية» المواد الكيميائية التي كانت الى جانب نيترات الأمونيوم، وتسببت بتلك السحابة الزهرية التي غطت سماء المدينة. والسبب، بحسب المعنيين، العجز عن تجميع العينات اللازمة من مكان الإنفجار بسبب إحكام الجيش سيطرته على «مسرح الجريمة».النتيجة الوحيدة «المكفولة»، إلى الآن، هو أن «لا تلوث إشعاعي نجم عن الإنفجار»، بحسب تأكيد الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة. وهي نتيجة خرج بها المركز بعد إجراء تحاليل إشعاعية أجرتها محطات الاستشعار الثلاثة التابعة للمركز الموجودة في بيروت، وغيرها المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية. لكن، مع ذلك، يشدّد حمزة على أن «هذه الخلاصة المطمئنة غير كافية»، خصوصاً في ظل التخوف من ترسّب مواد كيميائية غير محددة تفاعلت مع الانفجار وربما تسببت في تلوّث الهواء الملوث أصلاً فوق بيروت، و«رقدت» على الشرفات والأسطح المختلفة. ومن الممكن أن يكون المواطنون قد تنشقوها أثناء عمليات رفع الأنقاض، فضلاً عن ذوبانها في المياه وانتقالها إلى المياه الجوفية والآبار ومياه البحر.
لكن هذه تبقى «مجرد فرضيات»، على ما يقول المعنيون، وحتى الآن لم يظهر أي أثر يُخشى منه. ففي ما يخص المياه مثلاً، طمأن مدير مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران إلى أن المياه في بيروت سليمة ولم تتأثر «لأن مصادر المياه بعيدة عن المدينة وقادمة من ضبية والمشرف ونقوم بفحصها دورياً». أما بالنسبة إلى الآبار، فلا يملك جبران أية معلومات «لأنها آبار خاصة ولا علاقة للمؤسسة بها».
ينصح الخبراء بارتداء أقنعة خاصة وقفازات عند رفع الركام


غير أن ما بات أكيداً هو أن الإنفجار «أدى إلى وجود نفايات كارثية يفترض إدارتها بشكل دقيق وخاص»، بحسب المهندسة البيئية والمتخصصة في إدارة النفايات في الجامعة الأميركية أماني معلوف. إذ أن الكارثة «تسببت بتشكّل مستنقعات مياه ناقلة للأمراض، مع الأخذ في الإعتبار أن هناك مواد خطرة تحتاج إلى معالجة خاصة (...) فالردميات، مثلاً، تحتوي على مواد خطرة مثل الأسبستوس الذي يستخدم في أسقف الاسمنت وأنظمة المياه والتدفئة والمواد المقاومة للحرارة، إضافة إلى المعادن الثقيلة مثل الرصاص في الأنابيب والدهانات والزئبق في الترموستات والمواد الكيميائية الأخرى الموجودة عادة في المنازل». وما يزيد الطين بلة «وجود نفايات كورونا التي لم تتم إدارتها بشكل خاص. فكمية صغيرة بين هذا الحطام يمكن أن تلوث كل الردميات وتصبح معالجتها مستحيلة». كل هذا يفترض، بحسب معلوف، تشكيل لجنة علمية للكشف وأخذ عينات ومحاولة سحبها قبل جمع بقية الردميات بطرق خاصة ونقلها مع إمكانية الفرز قبل النقل.
وفي السياق نفسه، تقوم أكثر من جهة أكاديمية وعلمية بجمع عينات بهدف تحليلها، أبرزها جامعة البلمند التي أطلقت حملة لجمع العينات بدأت مع الساعات الأولى عقب وقوع الانفجار، «وهي عبارة عن غبار مترسب على شرفات وأسطح البيوت لتحليله ومعرفة مكوناته الكيميائية والجسيمات العالقة»، تقول أستاذة الهندسة المدنية والبيئة في جامعة البلمند ياسمين جبلي. وقد جمعت العينات من كل المناطق التي تأثرت بالإنفجار. ولفتت جبلي إلى أن عينات للمياه والتربة ستسحب من نقطة الانفجار عند منح الإذن بالدخول إلى المرفأ، وهذا ما يساعد في تحديد الملوثات الموجودة قبل وقوع الانفجار والانبعاثات التي ظهرت بعد وقوعه. وبرأي جبلي، فإن «هذه النقطة مهمة، خصوصاً أن منطقة المرفأ منطقة ملوثة وتعد منطقة ميتة (Dead zone) بسبب إفراغ السفن لحمولاتها من مياه الصرف الصحي فضلاً عن ترسب الزيوت والمواد النفطية جراء توقف البواخر إلى غيرها من الملوثات». ما يهم هنا، بحسب جبلي، معرفة ما الذي حصل بعد الانفجار وما المواد التي أضيفت إلى الهواء الملوث وإلى التربة. والخوف، برأيها، هو من ثلاث مواد هي: ثاني أوكسيد النيتروجين NO2 الملوث للهواء والتربة، الهيدروكربونات الأروماتية الحلقية (PAH)وهي مواد سامة ومسرطنة، وحامض النتريك. وبما أنه إلى الآن لا يمكن الخروج بنتائج، تنصح جبلي بارتداء أقنعة خاصة (N95 mask) وقفازات عند رفع الركام في البيوت وعلى الطرقات، ورش الجو بالمياه كي تنزل هذه الجزئيات على الأرض.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا