قبل نحو شهرٍ، كان وزير الصحة حمد حسن حاسماً في شأن الحديث عن تسعيرٍ جديد للأدوية، حسبما تقتضيه ظروف الأزمة الاقتصادية المالية التي تضرب البلاد. يومها، وبعد لقاء مع مجلس نقابة الصيادلة، رفض «المساومة على المواطن»، انطلاقاً من أن الظرف الحالي لا يسمح للوزارة «بمجرّد التفكير بالمسّ بسعر الدواء». في المقابل، كان مجلس النقابة متفهّماً، وإن على مضض، لما صدر عن حسن، معوّلاً في الوقت نفسه على جلسات النقاش التي تجري داخل لجنة مشتركة (من الوزارة والنقابة) شُكّلت للبحث عن حلول لقطاع الصيدلة. إلى الآن، لم ترتق النقاشات إلى مستوى الحلول، إذ لا تزال في إطار طرح الأفكار من الطرفين، من دون أن يكون هناك اتفاق على شيء محدّد، بحسب نقيب الصيادلة غسان الأمين. لكن، في وقت تستمر فيه المداولات، خرجت من «جلباب» النقابة مجموعة من الصيادلة مطالبة بتعديل جعالة الدواء من 1500 ليرة، وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، إلى 3900 ليرة، بحسب سعر الصرف المعتمد في المصارف. تبريرات هؤلاء أن المداخيل التي تأتي من بيع الأدوية باتت أقل بكثير من المصاريف التي يتكبّدونها، ما يدفع بكثيرين نحو خيار الإقفال، وهذا - بالمناسبة - ما يُجمع عليه كثيرون من الصيادلة، من هذه المجموعة ومن خارجها. يعدّد هؤلاء لائحة المصاريف التي تفوق بقيمتها «خمسة أضعاف المداخيل»، وفق أحد الصيادلة، من كلفة إيجار الصيدلية إلى اشتراك الكهرباء وصيانة المحابر والمكيّفات وسعر الورق والحبر... إلى المعيشة. لكن، سدّ هذه التكاليف دونه تبعات يتحمّلها المواطن حكماً. فتعديل الجعالة بما يتناسب مع سعر الصرف المعتمد في المصارف سيؤدي حكماً إلى زيادة أسعار الأدوية. وهذا ما تدركه النقابة جيداً، وإن كانت تتقلّب اليوم بين أمرّين: تحصيل تلك التكاليف من جيوب الناس أو إقفال مزيد من الصيدليات (خلال أقلّ من عام، تخطّى عدد الصيدليات التي أقفلت أبوابها الـ 200، وأكد الأمين في حديث سابق لـ«الأخبار» أن «نحو 1000 من أصل 3400 صيدلية مهدّدة بملاقاة المصير نفسه»).لذلك، تفضّل النقابة اليوم انتظار نتيجة المفاوضات، ولا تؤيد تحركات الصيادلة في «هذا التوقيت بالذات من الأزمة»، على ما يقول الأمين، وإن كانت في المضمون تؤيد تلك المطالبات التي «تدفعنا إليها السياسات الخاطئة التي بدأت قبل عهود». ويوضح الأمين أن الوصول إلى هنا كان نتيجة تراكمات تحصل منذ سنوات، «وتحديداً منذ 4 سنوات مع القرار الذي خرج به وزير الصحة السابق غسان الحاصباني في ما يخص إعادة تسعير الدواء كل 3 سنوات بدلاً من خمس»، على أساس «تسعيرة» 14 دولة يعتبرها لبنان مرجعيته في هذا الإطار، 7 منها أوروبية و7 عربية. والأسوأ هو القرار الآخر لحاصباني الذي يقضي باعتماد التسعيرة الأدنى بين تلك الدول، على عكس ما كان يجري سابقاً من اعتماد تسعيرة وسطية. هكذا، صار «سعر الدواء في لبنان الأقل بين تلك الدول».
يؤكد الصيادلة أن مداخيل بيع الأدوية باتت أقلّ بكثير من المصاريف التي يتكبّدونها


كان يمكن لهذا الجانب أن يبقى مضبوطاً لولا الأزمة المالية ولولا تفصيل صغير، «لكنه أساسي»، وهو السياسة المتبعة في التعاطي مع الأدوية «براند وجينيريك». فإذا كان تعديل الأسعار صعباً في هذا الوقت، يطالب الصيادلة بأن يكون الحل «بزيادة الأرباح على الدواء الجينيريك الذي يشبه الأصلي في تركيبته ولكن سعره أقل». وهذا يتطلب تعديلاً في الآلية المتبعة، بحيث يُعطى الصيدلي صلاحية استبدال الدواء الأصلي بآخر من التركيبة نفسها ولكن بسعرٍ مخفّض، وهو ما لا يمكن حصوله اليوم. تعيد هذه الرواية التي لا يملّ الصيادلة من المطالبة بها إلى الوصفة الطبية التي منحت امتيازاً للطبيب بفرض «حصرية» الدواء من خلال الوصفة الطبية من خلال عبارة (NS» (Non substitution»، التي تمنع الصيدلي من أن يعرض على المريض دواء يحمل التركيبة نفسها للدواء الأصلي بسعرٍ مخفّض. وإلى الآن، لا يزال مشروع قانون الـ»NS» عالقاً في اللجان النيابية التي لم تفرج إلى الآن عما يسمح بخفض قيمة الفاتورة الدوائية، أسوة بدول كثيرة.