أثناء اعتصام المصروفين أمام مدخل مستشفى الجامعة الأميركيّة (شارع القاهرة)، ظهر أمس، كان أساتذة وأطباء ينفّذون اعتصاماً آخر، أمام مدخل الجامعة (المدخل الطبّي) في شارع بلس. الاعتصام الأخير دعا إليه اتحاد أساتذة الجامعة الأميركية، وتلته وقفة احتجاجيّة دعت إليها مجموعات يساريّة وطلابيّة أمام مدخل الجامعة الرئيسيّ. الاعتصام والاحتجاج نُفّذا رغم التهديد الذي تمارسه الإدارة عبر رسائل مباشرة أو ضمنيّة. ولم يستقطبا أعداداً كبيرة من المشاركين، ولا سيّما من الموظّفين الحاليّين والأساتذة والطلاب، ولا من المجموعات «الثوريّة» التي طرحت نفسها «ملاذاً» للطبقات المعدمة في الأشهر الماضية.تهديدات الإدارة بدأت برسالة متداولة عبر مجموعات الواتساب، تحذّر من المشاركة في «اعتصام أقليّة مدمّرة تساهم في حرب سياسيّة على الجامعة». هذه الرسالة، تؤكّد مصادر مطلعة في الجامعة أنها «صحيحة، ووجّهت من أحد الإداريّين». كما استفاق الموظّفون، أمس، على بريد إلكتروني وجّهه إليهم رئيس الجامعة فضلو خوري، دافع به عن إجراءات الإدارة واعترف بحصول «بعض التجاوزات» من دون أن يعتذر عنها. «التجاوزات» التي قصدها خوري هي التعزيزات العسكريّة التي رافقت الصرف. وهو طبعاً لم يعنِ بها «المعايير التي طلبت الإدارة من مسؤولي الأقسام أن يقوموا بوضعها لإعداد لوائح المصروفين على أساسها، وتبيّن لاحقاً أنه لم يتم الالتزام بها، بل تمّ صرف مسؤولي الأقسام أيضاً لتتنصّل الإدارة من معايير طلبت منهم وضعها ولتُلصق بهم أي محاسبة محتملة»، بحسب المصادر، مؤكدة أن «مدير المستشفى الجديد جوزف عتيّق، الذي يدير عمليّات الصرف، كان قبل تعيينه في حزيران الماضي، مديراً في مستشفيات جامعيّة خاصّة أخرى في لبنان وطُرد منها لأسباب مهنيّة يُفترض بالإدارة شرحها».
هذه العيّنة تنسحب على محاولات تطويق اتحاد أساتذة الجامعة، الذي أسّس عام 2013، ويضمّ نحو 300 أستاذ من أصل 550 من العاملين بدوام كامل، وقد خاض مفاوضات سابقاً مع الإدارة لتحصيل حقوق الأساتذة. تطويق الاتحاد جرى عبر استقطاب منتسبين إليه إلى مناصب إداريّة، وعبر اعتبارهم «أقليّة مدمّرة للجامعة وأدوات الحرب عليها»، وهي أوهام الإدارة التي تنفّذ حروباً ضدّ موظفيها. في اعتصام الأساتذة والأطباء، شارك محتجّون هتفوا «ارحل يا فضلو»، ورفعت لافتة: «تضامناً مع جميع المصروفين ورفضاً لسياسة التقشف العشوائية». وتُلي بيان اللجنة التنفيذية لاتحاد أساتذة الجامعة الأميركية، ومما جاء فيه «نتمسك ونعلي قيم العدالة والمساواة، رغم أن ما حدث يوم الجمعة الفائت يرقى الى درجة الفشل والإخفاق في مهمة ورسالة مؤسستنا» وأضاف «لقد شهدنا التسريح القاسي والمؤلم لمئات من زملاء لنا في الجامعة، وقد أتت عمليات تسريحهم بعد الإعلان عنها عبر حملات إعلامية استباقية عاتية، وتم تنفيذها بطريقة تمسّ كرامتهم بشكل كبير، بما رافقها من نشر ترهيبي لأعداد كبيرة من القوات العسكرية والأمنية، بما يحمل ذلك من معان». وشدّدت اللجنة على نقطتين:
1- «إن السياق العسكري والأمني الذي تمت من خلاله عمليات التسريح والأسلوب المهين الذي من خلاله أبلغ من يعنيهم الأمر بالقرارات دون إشهار مسبق، إنما يشكلان سابقة خطيرة في تاريخ جامعتنا وينتهكان قيم الاحترام والكرامة التي نسعى الى التمسك بهما كمؤسسة عريقة، والمحافظة عليها لتقديمها نموذجاً يحتذى للأجيال القادمة في مسيرتنا التربوية والتعليمية. وفي وصف أحد زملائنا لما حدث، لقد تم التعامل مع الموظفين والموظفات والزملاء والزميلات على أنهم سلع يمكن التخلص منها وليس كبشر».
لم تستقطب الاحتجاجات المجموعات «الثوريّة»


2 - «تتفهم اللجنة التنفيذية للاتحاد الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير لخفض التكاليف بهدف تخفيف الآثار الناتجة والمحتملة للأزمة الاقتصادية والوطنية على الجامعة، لكننا نشدد على ألا تبدأ هذه الإجراءات بالموظفين الأضعف والأقل حصانة، إنما بقمة الهرم المؤسساتي».
وختم البيان بتحذير من «استخدام تحركنا، كأساتذة همّهم الأساسي خير وديمومة هذه المؤسسة وموظفيها، لأي أجندات سياسية كانت أو شخصية بخلاف ما هو معلن رسمياً من قبل لجنتنا. كما أننا نعلن تضامننا الكامل مع عمال وموظفي حرم الجامعة الأميركية ومركزها الطبي، الذين صرفوا بطريقة مهينة، وندين بشدّة نشر عناصر عسكرية وأمنية لهذه الغاية».
كذلك صدر بيان عن تجمع الأساتذة المستقلين في الجامعات، الذين شاركوا في الاعتصام، استعرضوا فيه أزمات الصرف وعدم تجديد عقود الأساتذة والباحثين الجامعيين، و«هشاشة وضعهم وضرورة تفعيل الشفافية داخل المؤسسات الجامعية والتربوية». وفي ما يخصّ مصروفي الأميركية، أعلن الأساتذة «أن مخالفات الصرف التعسّفي والجماعي التي تمارس بحقّ المواطنين والمقيمين بلغت ذروتها مع إعلان المجزرة الجماعيّة التي ارتكبتها إدارة الجامعة بحق موظفيها وعمالها». وأضافوا «ندين بشدة ونرفض عمليات الصرف التعسفي بحق الناس في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشيّة الصعبة».
أما الاحتجاج الذي دعت إليه مجموعات طلابيّة ويساريّة، فانتهى برشّ عبارة على باب الجامعة الرئيسي الموصد والمحروس من قبل الأمن الخاص والدرك ممن حاولوا اعتقال «مشتبه برشّها». العبارة نعتت فضلو خوري بوصف يعبّر عن «عمق» الاحتجاج على سياساته في الجامعة.



اتحاد نقابات العمال: نحو المواجهة
بدعوة من الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، يُعقد في مقرّ الاتحاد، ظهر اليوم، لقاء مع العمال المصروفين من الجامعة الأميركيّة ومحامين وجهات نقابيّة وطلابيّة داعمة، «للاتفاق على الإجراءات التي سنتخذها، سواء بالسير في الشكاوى أمام وزارة العمل أم قضاة العجلة أم مجالس العمل التحكيميّة أم منظّمة العمل الدوليّة ولجنة حقوق الإنسان... إذ إن ما يحصل مجزرة إنسانيّة، ومستمرون في التصعيد»، كما قال لـ«الأخبار» رئيس الاتحاد كاسترو عبدالله. وعن الثقة بجدوى الإجراءات، قال «للأسف، لم تكن المواجهة بالشكل المطلوب في كل حالات الصرف التعسّفي التي شهدناها في عدد من الشركات والمؤسسات، إضافة إلى تراخي وزارة العمل، والتخلّف القانوني، وفقدان الدور النقابي المستقل، والهيمنة على الاتحاد العمالي العام، ما جعل هذه المؤسسات تتجرّأ على مجازر الصرف في هذه المرحلة، إلى أن وصلت الأعداد إلى 850 في الأميركيّة وعدد كبير من المياومين». واعتبر أن التصعيد والمواجهة «واجب علينا، ولدينا إيمان بأن التحرّك قد يفرض إعادة العمال إلى عملهم». ضرب الحركة النقابيّة «التي كانت السلاح الأخير في أيدي العمال، من قبل حيتان المال والسياسات المتعاقبة ومحاصصاتهم، أوصل إلى وضعهم اليد على الاتحاد العمالي العام الذي يقول اليوم: ما دخلني»!». وأكّد أن «العمال المياومين الذين صُرفوا سابقاً (نحو 150 مياوماً من شركة سامكو المتعاقدة مع الجامعة الأميركيّة)، قدمنا شكوى وفاوضنا وأعدناهم إلى العمل، وهذه الشركة هي طرف ثالث وشكل من أشكال الاحتيال حتى تتهرّب الإدارة من الضمان الاجتماعي والتقديمات والمدارس والمنح وسواها للعمال»، مضيفاً «فشلوا بتلك الطريقة فنفّذوا هذه المجزرة الآن»!