أطلقت رئاسة الجامعة اللبنانية، أخيراً، استراتيجية التعليم العالي عن بعد. وهي استراتيجية وطنية بامتياز، تشمل مختلف وحدات الجامعة وفروعها، وتطال كل الطلاب في مختلف المراحل والمسارات والإختصاصات. وهي، بطبيعة الحال، تجربة جديدة من نوعها، تفرض نفسها على أجندة الجامعة وأهلها، وعلى عدد من الجامعات الخاصة، ودونها العديد من العقبات. لكنها جديرة بالمضي قدمًا بها ومحاولة تنفيذها بالنظر إلى سمو الأهداف المتوخاة من خلالها وهي عدم تطيير السنة الدراسية على الطلاب مهما كلف الثمن.كان لا بد لأهل الجامعة من خوض التجربة بجرأة، وإن تعثرت هنا أو تعرقلت هناك. فالجامعة تعاني، أصلًا، من قلة الموارد المالية على خلفية المؤامرة السياسية لتجفيفها وتقويضها وضرب صورتها ودورها الرسالي. مع ذلك، بدأ القيمون عليها والمعنيون فيها، من أساتذة وموظفين إداريين، بالعمل الحثيث على تهيئة الأرضية اللوجستية اللازمة لهذه العملية المستجدة. وتتجه الجامعة إلى اعتماد منصة Microsoft Teams بالدرجة الأولى، ومنصة Google Classroom وتطبيق Zoom Cloud Meetings بالدرجة الثانية، في محاولة لتعميم المعايير والمنصات والتطبيقات والقواعد بين مختلف الوحدات والفروع والأساتذة والطلاب انسجامًا مع مقتضيات اللحظة السياسية والتاريخية.
وتتفاوت ردود الأفعال داخل الجامعة وخارجها إزاء هذه المحاولة بين متحمس ومؤيد وغير مكترث أو غير مهتم، ومعارض شرس لاعتبارات عدة. لكن المسؤولية الوطنية تقتضي من الجميع المبادرة إلى الإنخراط في هذه العملية المركبة، وهي مغامرة جريئة قد تنقل الجامعة إلى حيز آخر على سلم الترقّي العلمي والأكاديمي، وإلى مصافّ الجامعات الكبرى والمتطورة والمتقدمة على الصعيدين الوطني والإقليمي، في إطار استراتيجيا المكننة الإلكترونية التي قد تفضي بالجامعة في نهاية المطاف لأن تتحول إلى جامعة حديثة وعصرية، تضطلع بمهمات التعليم العالي والبحث العلمي عن بعد وأعبائهما.
تبقى العبرة في القدرة الفعلية على التنفيذ. وهو أمر يستلزم أقصى درجات التعاون وتضافر الجهود بين كل من الأساتذة والموظفين الإداريين والطلاب للوصول إلى المقاصد المرجوة. وقد أعلن، في هذا الصدد، عدد من الوحدات والفروع في الجامعة، إطلاق مناهج وبرامج التعليم عن بعد تباعًا وتدريجًا، في سباق مع الزمن. وتنتظر سائر الوحدات والفروع استكمال التدابير التمهيدية، وإن كانت بعض الكليات والمعاهد والتخصصات العلمية تفرض عناية خاصة، وربما مراجعة نقدية لهذه التجربة، حيث تواجه الجامعة صعوبة كبيرة، وحتى استحالة ممكنة أو مفترضة، في المضي قدمًا بهذا المشروع الكبير لاعتبارات موضوعية بحتة، تتصل بطبيعة هذه الإختصاصات نفسها.
لقد فرض فيروس «كورونا»، وقبله الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعية، ظروفًا غير معهودة، وهي تتطلب بطبيعة الحال إدارة رشيدة ومسؤولة، تكون أيضًا إستثنائية لترتقي إلى مستوى التحديات والمخاطر والتهديدات. وبناءً عليه، من غير المقبول أيضًا ألا تكون الجامعة الوطنية على قدر هذه المسؤولية الوطنية والتاريخية. فلا مكان اليوم للتراجع أو التلكؤ، مهما بلغت الصعاب ومهما تضاعفت المهام. فلا خيار أمامنا في الجامعة سوى النجاح بالحزم والعزم، بالإيمان والإرادة، بالتصميم والمثابرة، وبالوعي والمسؤولية.

*أستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية