في 14 آذار الماضي، قصدت حوراء البرجي سوريا لعلاج ابنتها الكبرى، بسبب عدم قدرة العائلة على دفع تكاليف العلاج الباهظة في لبنان. يومها، جهّزت الأم لطفلتيها زينب وراما اللتين سافرتا معها حقيبة يدٍ صغيرة وضعت فيها ما يكفيههن للأيام الثلاثة التي كان من المفترض قضاؤها هناك. لم يكن في حسابات الأم أن الإقامة في سوريا ستطول، لذلك لم تتزود بغير تلك الحقيبة «وما يسدّ تكاليف العلاج والمصروف»، على ما يقول زوجها حسين البرجي. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان: أُقفلت الحدود مع سوريا.اليوم، تنهي حوراء يومها الأربعين في سوريا. تركت البيت الذي استأجرته لثلاثة أيام وانتقلت للسكن لدى أقاربها هناك. كلما سمحت الفرصة، يرسل البرجي إلى زوجته مالاً للمصروف، لكن «هذه المبالغ بالكاد تكفي، يعني ببعتلا الـ100 ألف ليرة بتعمل 18 ألف ليرة سوري بتكفيها 3 أيام».
طرق البرجي أبواباً كثيرة، من دون طائل، وهو اليوم ينتظر الرد على الاستمارة التي ملأتها زوجته في السفارة اللبنانية في سوريا. ليست عائلة البرجي وحيدة في معاناتها، فمنذ أقفلت الحدود، احتُجزت عشرات العائلات اللبنانية في سوريا، ومعظم أفرادها كانوا يقصدونها لغرض التجارة أو الطبابة. من بين هؤلاء جان نخلة الذي قصد دمشق لإجراء عملية جراحية، وإلى الآن لم يفلح بالعودة رغم محاولاته المتكرّرة لعبور الحدود. في آخر المحاولات، مكث ساعات عند الحدود، عاد بعدها خائباً من حيث أتى، ولا يزال إلى الآن هناك. حتى قبل أن يُعلن رسمياً عن إقفال الحدود، لم يكن بمقدور البعض العودة إلى لبنان، في ظل الإجراءات المشدّدة التي رافقت تطورات فيروس كورونا، ولا سيما في ما يتعلق بإجراء فحوص الـPCR للقادمين.
وزارة الخارجية قادرة على إعادة العالقين في العراق والأردن وسوريا براً في حال التفاهم مع الجانب السوري


اليوم، وبسبب تردي الأوضاع، يضطر بعض هؤلاء للمبيت لدى «معارفهم» أو في سياراتهم بسبب عدم توفر المال لديهم لاستئجار شقق مفروشة. قصدوا السفارة اللبنانية في سوريا ولم يوفقوا بالمسؤولين هناك، و«كل ما قيل لنا: روحوا عبّوا الاستمارات».
حال العائلات التي قصدت سوريا لإقامة مؤقتة حال آخرين في العراق والأردن، أُقفلت في وجههم الحدود البرية ولم يعد في مقدورهم العودة وكما هي الحال في سوريا، كذلك في البلدين الجارين: لا مال ولا معارف ولا شيء يسند إقامتهم الجبرية. كل ما فعله هؤلاء هو ملء الاستمارات في سفارات بلادهم في انتظار حلّ قريب. في العراق مثلاً، يوجد إلى العائلات العالقة 60 طالباً حوزوياً ملأوا استمارات العودة، من دون أن يملكوا أدنى فكرة عن موعد الإجلاء. وفي هذا الإطار، تشير مصادر وزارة الخارجية والمغتربين إلى أن «ملف اللبنانيين العالقين في البلدان الثلاثة ليس بالصعوبة التي ترافق ملف العالقين في بلدان أخرى، وخصوصاً أنها عودة عن طريق البر»، والمسألة اليوم هي مسألة «ضوء أخضر» من الدول التي يمكثون فيها. وبالنسبة إلى العالقين في سوريا، فالقرار رهن «بالتفاهم بين الأمن العام والجانب السوري، كون الأمن العام مكلّفاً بالملف، وعندما نحصل على الضوء الأخضر نقوم بالإجراءات اللازمة من تأمين فحوص الـPCR ومن ثم نقلهم من هناك بالباصات المعقّمة على أن ينتظرهم عند نقطة الحدود فريق من وزارة الصحة لإجراء المقتضى». أما عن البلدين الآخرين، فتقول المصادر إنه يمكن نقل العالقين في العراق إلى الأردن، حيث تتوفر هناك الفحوص ومن ثم تُتبع الآلية نفسها التي اتُّبعت مع العالقين في سوريا. لكن، إلى الآن لا موعد محدداً للعودة، بانتظار «التفاهمات».