مع ذلك، تبقى المقارنة الدولية مشكوكاً فيها، على اعتبار أنّ طريقة إحصاء الوفيات تختلف بين دولة وأخرى. وتكفي الإشارة إلى أنّ بلجيكا قرّرت تعداد «المشتبه في وفاتهم» بفيروس «كورونا» في دور رعاية المسنّين من دون إجراء اختبار، للتوصّل إلى أوجه الاختلاف بينها وبين فرنسا، مثلاً، التي لا تزال أرقام الوفيات في دور رعايتها غير دقيقة، بسبب تجاهلها لفترة طويلة وتعدادها بطريقة ملتوية. كما يمكن المقارنة في هذا المجال مع بريطانيا، التي لا تحسب الوفيات في دور رعاية المسنّين، من أجل فهم السبب وراء عدد الوفيات المرتفع في بلجيكا، حيث يشكّل ضحايا دور الرعاية 52% من العدد الإجمالي للوفيات بناءً على أرقام موقع L›echo.
ولكنّ الطريقة البلجيكية في تقدير عدد الوفيات فتحت على بروكسل أبواب الانتقاد. فرغم أنّ البعض يرى أن الإجراء المتّبع يدلّ على صدقية معيّنة لم تتسم بها العديد من الدول، يعتبر البعض الآخر أنه يساهم في تضخيم عدد الوفيات بفيروس «كورونا»، حتّى ولو كان يكتسب الطابع الرسمي. هيرمان غوسنس عالم الأحياء الدقيقة في جامعة أنتويرب، ومنسّق البرنامج الأوروبي للأوبئة، لا ينفي العدد الكبير للوفيات، ولكنه يظهر تشكيكاً في الأرقام، على اعتبار أنّه يجب الالتفات إلى أنّه ليس من الضروري أن تكون كل الوفيات قد تأتّت بسبب فيروس «كورونا». ورغم أنّه يؤكد أنّ بيانات «جون هوبنكنز» وغيرها، تعني أنّ «لدينا العديد من الوفيات مقارنة بالدول الأخرى في أوروبا»، إلا أنه يرى أنه «ليس من الواضح من أين تأتي هذه الأرقام»، معتبراً أنه «يجب توخّي الحذر الشديد»، في اعتمادها.
نسبة الوفيات هي الاعلى في العالم مقارنة بعدد السكان
ما تقدّم يدفع باتجاه تساؤلات كثيرة: أولها، هل تبالغ بلجيكا في عدد الوفيات التي يسببها فيروس «كورونا»؟ وثانيها، هل هناك تسرّع في تعداد الوفيات في دور رعاية المسنّين على اعتبار أنها كلّها مرتبطة بـ«كوفيد ـــ 19»؟ وآخرها، هل يؤدّي ذلك فعلاً إلى تضخيم الإحصاءات؟
ربما يكون الجواب الأبسط من قبل أحد مديري دور الرعاية. بحسب آن ليز بيرغمان، التي تدير داراً لرعاية المسنّين شهدت أكثر من عشرين وفاة منذ شهر آذار، فإنّ «الإعلان عن الوفاة بكوفيد ـــ19 مؤكد بنسبة 95%، لأنّ هذه الوفيات مرّت في المستشفى أولاً». وهي توضح أنّه «من المحتمل جداً الإعلان عن وفاة مشتبه في إصابته بالفيروس، ولكن في هذه الحالة توضع إشارة مشتبه في وثيقة الوفاة». تضيف بيرغمان أن المعايير ليست عشوائية في هذا المجال، إذ إن «المشتبه في وفاته بسبب كورونا، هو كذلك لأنّه بكل بساطة شارك الغرفة مع ساكن آخر كانت قد تأكدت إصابته بالفيروس، إلى حدّ أن الضحية بدأ بالسعال في الأسبوع التالي، وبدأت ترتفع حرارته، وتوفي بعد ذلك». لذا في المحصّلة، «لا يمكننا القول إنه لم يتوفَّ بكوفيد ـــــ 19».
الحجَج المنطقية بالنسبة إلى بيرغمان لا تنتهي هنا، إذ «يمكن الاعتبار أننا خلال ثلاثة أسابيع أو شهر، شهدنا معدّل وفيات عادة ما نشهده خلال عام واحد، وهذا الأمر حصل في غالبية دور رعاية المسنّين التي وصل إليها فيروس كورونا». وهي إذ تشدّد على هذا التشخيص، تعرب عن اعتقادها بأنه «من غير اللائق أن نعتبر أن ذروة الوفيات في دور رعاية المسنين ليست بسبب الوباء. إنه أمر غير محترم، ويضع تساؤلات عن قدرة مقدِّم الرعاية، وعمّا إذا كان يقوم بعمله بشكل صحيح». وأخيراً، تحسم الجدل بالقول: «لم يحدث قبل الجائحة أن جرى تسجيل هذا العدد الكبير من الوفيات».
رئيس اتحاد والونيا ـــ بروكسل بيار إيف جيهوليه، يختصر الموضوع بالقول إن الطريقة المعتمدة في الإحصاء ليست نفسها في كل مكان، وبالتالي «لا يمكننا إلقاء اللوم على بلجيكا لكونها شفّافة تماماً في ما يتعلق بالأرقام».
وسط هذه الأرقام، يبقى الخبر الجيد بالنسبة إلى البلجيكيين أنّ المستشفيات في البلاد باتت تمتلئ ببطء أكثر من الأيام الأولى لتفشي وباء «كورونا». ومردّ ذلك، إلى أنه رغم أن عدد المصابين الذين يدخلون إلى المستشفيات لا يزال مرتفعاً، إلّا أنّ نسبة الشفاء عالية وسريعة، ما يعني إفساح المجال والأسرّة أمام آخرين.
يبقى أنّ الحكومة البلجيكية كغيرها من حكومات الدول الأوروبية، تتطلّع إلى تخفيف تدريجي لإجراءات العزل بدءاً من الرابع من أيار المقبل، وذلك بعد الاستناد إلى تقرير مقدّم من قبل مجموعة من الخبراء. ووفق الخطوط العريضة، من المتوقّع إعادة فتح المدارس بدءاً من 18 من الشهر المقبل. ولكن القرار النهائي يتخذه ويعلنه، اليوم، مجلس الأمن الوطني، الذي ترأسه رئيسة الحكومة صوفي ويلماس، والتي قد تقرّر العودة إلى الوراء، في حال كانت هناك ضرورة لذلك.