غيتا غوبيناث، كبيرة خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي، كانت أول من استخدم عبارة «العزل الكبير» لتوصيف الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة مِن وباء كورونا. أزمةٌ ستتجاوز بتبعاتها «الركود الكبير» الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009، وستكون الأسوأ منذ «الكساد الكبير» في ثلاثينيات القرن العشرين.وفيما تواصِل الجائحة حصد الوفيات وتتسبّب بحالة مِن الضبابية على صعيد الاقتصاد، برغم إجراءات العزل المفروضة على أكثر من نصف البشرية، خلص صندوق النقد الدولي، في توقّعات مبنيّة على فرضيّة زوال الفيروس في النصف الثاني مِن العام الجاري، إلى أن التداعيات الاقتصادية للوباء ستقضم تسعة تريليونات دولار مِن الاقتصاد العالمي الذي سيدخل أسوأ أزمة منذ الكساد الكبير، وسيتراجع إجمالي الناتج العالمي بنسبة 3%. لكن التوقعات التي تكتنفها «ضبابية شديدة»، تعني أن النتيجة الفعلية قد تكون أسوأ بكثير، في ما لو استمرّ الوباء ومعه تدابير الاحتواء لفترة أبعد مِن حزيران، وتأثّرت الاقتصادات النامية والناشئة بشكلٍ أكبر.
وأنفقت الحكومات ما يقرب مِن ثمانية تريليونات دولار لمكافحة الجائحة والتخفيف من تداعياتها الاقتصادية، لكن الصندوق قال في تقريره «الراصد المالي» نصف السنوي إن الأمر سيتطلّب المزيد من إجراءات التحفيز الاقتصادي بمجرّد أن تهدأ الأزمة، مشيراً إلى أن الزيادة في الإنفاق ستؤدي إلى زيادة حادّة في العجز المالي، إذ من المتوقع أن يرتفع الدين العام العالمي 13 نقطة مئوية ليتجاوز 96% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020.
إبّان الكساد الذي شهده العالم قبل نحو قرن، انكمش الاقتصاد العالمي بـ10%، بينما انكمشت الاقتصادات الكبرى بنسبة 16% بين العامَين 1929 و1932. التوقّعات الراهنة تشير إلى أن «الاقتصادات المتقدمة» ستنكمش بـ6% في 2020. وفينا سينجو اقتصادان فقط مِن الركود، هما الصين والهند، توقّع تقرير الصندوق انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة 5.9%، على أن يتعافى العام المقبل مع نموّ نسبته 4.7%. ورجّح بأن يكون أداء الاقتصاد في منطقة اليورو في المجمل الأسوأ في العالم، متنبّئاً بتراجع نسبته 7% في ألمانيا و7.2% في فرنسا، و6.5% في بريطانيا، بينما يتّجه الاقتصاد الإيطالي إلى التراجع بنسبة 9.1%، متبوعاً بتحسّن لا يتجاوز 5% العام المقبل.
وتحدّثت مديرة الصندوق، كريستالينا جورجيفا، عن تسخير جميع موارد «النقد الدولي» القائمة، وزيادة التمويل الميسّر المقدّم للدول الأشدّ فقراً إلى ثلاثة أضعاف. لكن الولايات المتحدة ستمنع الصندوق مِن تسخير أحد أقوى أدواته لمساعدة الدول على مواجهة تداعيات الوباء: إنشاء مخصّصات جديدة مِن حقوق السحب الخاصة، وهي خطوة أشبة بـ«طبع» مصرف مركزيّ لنقود جديدة، مِن شأنها أن توفّر سيولة كبيرة مطلوبة على وجه السرعة تصل إلى 500 مليار دولار للدول الـ189 الأعضاء في الصندوق. وتشير مصادر مطلعة على المداولات تحدّثت إلى «رويترز»، إلى أن أميركا، المساهم المهيمن على «النقد الدولي»، تعارض بدأبٍ خطوة تدبير التمويل الجديدة. وبحسب مصدرين، فإن إدارة دونالد ترامب لا تريد أن تحصل إيران والصين على موارد جديدة بمليارات الدولارات من دون شروط. بهذا المعنى، لن تحصل طهران على التمويل الطارئ الذي طلبته بقيمة خمسة مليارات دولار لمكافحة «كورونا» نزولاً عند رغبة واشنطن، وهو ما أكّده مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، جهاد أزعور، بقوله: «نظراً إلى أن تواصلنا كان محدوداً مع إيران في الآونة الأخيرة، فإن عملية الحصول على المعلومات التي نحتاجها لتقييم الطلب ستستغرق وقتاً». ويُتوقَّغ أن يعاني الاقتصاد الإيراني المُنهك من جرّاء العقوبات الأميركية، انكماشاً بـ6%، وتضخّماً بـ34.2% هذا العام، انخفاضاً من ذروة 41.1% في العام الماضي، واتساعاً في العجز المالي للدولة إلى 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ5.7% في 2019.
كذلك، ستعاني دول المنطقة التي تعوّل على صادرات النفط مِن ضغوط إضافية نتيجة انهيار أسعار الخام الناجم عن انهيار الطلب على النفط بنحو 30%، ومعركة الحصص السوقية بين عملاقَي النفط السعودية وروسيا، والتي عزّزت تخمة فائض المعروض. ويُتوقَّع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول المنطقة المصدّرة للنفط بنسبة 4.2%، في تعديل حادّ نزولاً مِن توقعات الصندوق بنموّ 2.1% التي أعلنها في تشرين الأول الماضي. وستنخفض صادرات نفط تلك الدول بأكثر من 250 مليار دولار. وبحسب الصندوق، فإن اتفاق «أوبك+» لخفض قياسي في الإنتاج (10% من الإمدادات العالمية)، قد يقدِّم بعض الدعم لأسعار الخام، إلا أن "الانخفاض في أسعار النفط كبير لدرجة أنه من المتوقع أن تنخفض الإيرادات المالية وحصيلة الصادرات في جميع دول المنطقة المصدرة للخام، بما فيها تلك التي قد تتمكّن من كسب حصة في السوق على حساب منتجين أعلى تكلفة».