حصد فيروس «كوفيد-19»، منذ ظهوره في مدينة ووهان الصينية، أواخر كانون الأول 2019، وانتقاله إلى أرجاء العالم عشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف الإصابات، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الهائلة، في ظل تخبّط في مواجهة الوباء، وخصوصاً في المراحل الأولى لانتشاره، وعلى الأخص في الدول الغربية.الصين، التي يُعتقد حتى الآن أن الفيروس انطلق منها، تمكّنت من السيطرة على انتشار الوباء، وهي بدأت في تخفيف بعض القيود التي فرضتها لكبح انتشاره. فيما تحوّلت دول أوروبا، وخصوصاً الغربية، والولايات المتحدة إلى بؤرة الانتشار الرئيسية، بعدما أخفقت في الاستفادة من فترة السماح التي أعطيت لحكوماتها، ومن خبرة الصين وكوريا الجنوبية في محاربة الفيروس عبر عزل المناطق المصابة وإجراء فحوصات مكثّفة وحجر المسنّين والمصابين بأمراض مزمنة. فيما تبيّن أنها كانت قاصرة حتى عن مجاراة بعض الدول العربية في مواجهة انتشار الوباء.
فترة السماح هذه، التي امتدت أكثر من شهرين، كانت كافية لتأخذ الحكومات الغربية قرارات حاسمة، وخصوصاً أن علماءها هم من اجتهدوا في توصيف الوباء وخطورة انتشاره وكيفية الوقاية منه، وهم من يعملون بقوة على استحداث لقاح أو دواء ينتظره العالم كله. رغم ذلك، حافظت هذه الدول على وتيرة حياتها العادية. وبقيت المدن الأوروبية والأميركية الكبرى تعمل وكأن الوباء ينتشر في كوكب آخر. فلم تعمل على فرض التعبئة والتباعد الاجتماعي، وظلت وسائل النقل فيها، ومن قطارات ومترو وباصات، تعمل كالعادة، علماً أن غالبية هذه الوسائل الموجودة تحت الأرض، لا تتمتع بالتهوئة اللازمة للتخلص من الفيروس الذي يتناثر في كل أرجاء المركبات لساعات طويلة. وجاءت قرارات التعبئة والعزل متأخرة جداً، بعدما سبق السيف العذل، وبعدما اصطدمت هذه الحكومات بالاختيار بين «أولويتين»: إنقاذ البشر أم إنقاذ الاقتصاد؟ هنا انكشفت هشاشة المنظومة الأوروبية والأميركية، وتبيّن أن أداء الحكومات الغربية، التي لطالما تغنّت بالإنسان وحريته الفردية، كان سيئاً جداً ومتأخراً حداً... بعدما تفشّى الوباء بسرعة قياسية وبنتائج كارثية.
العالم بعد كورونا لن يعود كما كان قبله، أقلّه في مجالَي الصحة والنقل. ففي الأول سيعيد العالم ترتيب أولوياته ليضع الصحة في مرتبةٍ متقدمة، وفي الثاني ستطرأ تغييرات جذرية للحد من تكرار انتشار الأوبئة. وعلى العموم، لا شك في أننا سائرون، بعد هذا الوباء، بخطى ثابتة نحو عالم آخر، لأن كل الكوارث التاريخية الكبرى الناجمة عن أوبئة أدت إلى تغييرات أساسية في البنى السياسية والاقتصادية والثقافية للأمم.
* رئيس قسم جراحة الأعصاب والدماغ والعامود الفقري - الجامعة الأميركية في بيروت