لم يستطع الأميركيون، خلال المفاوضات التجارية، فرض شروطهم على الصين. رفض الصينيون، وقتها، فتح أسواقهم من دون قيد أو شرط، ودفع إتاوات عن تصاميم الشبح المزعومة، وكذا رفع الحظر عن شركة «غوغل» العملاقة. شرع ترامب، حينها، في التهديد والوعيد، وفي ذلك قال، إن «الصين تعرف ما علينا إدراجه في الاتفاق لإنهاء المفاوضات، الولايات المتحدة تحتاج إلى موافقة بكين على حقوق الملكية الفكرية وفتح السوق الصينية أكثر أمام البضائع الأميركية». وذكر بصراحة أن «إدارته لديها خطة «ب» في حال فشلت بلاده في التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين». ذلك واحد من الأسباب التي جعلت الصين تعتبر الوباء هجوماً بيولوجياً. في هذا الاتجاه، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، بأنه «ربما جلب الجيش الأميركي الوباء إلى ووهان... تحلّوا بالشفافية! أعلنوا بياناتكم! أميركا مدينة لنا بتفسير!». تبادلت بكين وواشنطن اتهامات خطيرة حول مصدر الوباء. وطُرح السؤال: هل الوباء صناعة بيولوجية؟ هل للمختبرات البيولوجية العسكرية التابعة للبنتاغون علاقة بذلك؟ في هذه الأثناء، توقّعت منظمة الصحة العالمية بأن يجري صنع لقاح ضد الفيروس، في ظرف 18 شهراً. وبينما لم يسبق للإنسانية أن شهدت مثيلاً لهذا الوباء، نأى العالم بنفسه بعيداً عن صراع التنين والفيل!يقول مثل صيني: «لو حكمت نفسك، تستطيع أن تحكم العالم!». هكذا فكّر الصينيون بسرعة، وبدأوا في تطبيق خطط الوقاية من هجوم بيولوجي محتمل. وانكبّ علماؤهم على تحديد طبيعة الفيروس وتركيبته العلمية وخطره على الحياة وفكّكوا شفرته، ثم شرعوا في تركيب الدواء. لا وقت للكلام: اليوم عمل وغداً أمر! وقد توحّدت في ذلك جهود الدولة والشركات والإنسان الصيني. يعدّ العمل بالنسبة إلى الصيني جوهراً للحياة، وذلك في إطار سلسلة يحرّكها نظام تراتبي يشارك فيه الإنسان، بصفته جزءاً لا يتجزّأ من الدولة. يجد الصيني هويته في التشارك والتآزر، ضمن فلسفة جامعة وموحّدة لا متعدّدة ولا مختلفة. وقد شكّل الانضباط الصيني بقواعد السلامة ومشاركة الجميع في احترام الإجراءات، نموذجاً لجميع الشعوب.
في غضون ذلك، اتخذت الدول الاحتياطات اللازمة والضرورية للوقاية من الوباء، بما فيها عدم الاختلاط ووقف انتشاره. ودخل الإنسان في حالة طوارئ صحية وحجر صحي ضروري، حتى يتجنّب الهلاك. عندما بدأ انتشار الوباء في بعض الدول، اتخذت الدولة المغربية تدابير استثنائية، ووحّدت جهود مؤسساتها في مكافحة الوباء، ودخلت في حرب وقائية ضده. وأطلق العاهل المغربي مبادرة التآزر والتشارك… وقفت السلطات المغربية في الخطوط الأمامية، وبدأت في القيام بحملات توعية تحثّ السكان على احترام حالة الطوارئ الصحية وضرورة الوقاية، حتى يتمكن الجميع من القضاء على الوباء. واتخذت كل التدابير ضد أساليب الغش والاحتكار والتلاعب في الأسعار. وفي خلال ذلك، تكفّلت وزارة العدل بناشري الإشاعات الكاذبة. تتمكن الإشاعة، خلال تنقّلها الشفوي، من التجدّد، من رواية إلى أخرى. تنشر الإشاعة الذعر والخوف. لذلك، لا يقلّ خطر الإشاعة الكاذبة عن خطر الوباء نفسه! وللأسف، فقد شاعت في إسبانيا مع بداية انتشار الوباء إشاعة كاذبة تقول إن الـ«كورونا أنفلوانزا لا غير!»، واستمر الناس في التجمّع واللقاء، وكانت النتائج كارثية: سقط في إسبانيا ما يزيد على 4000 قتيل، وكذلك في إيطاليا. أما في إيران، فقد سبّبت العقوبات الأميركية في تأخّر شراء أجهزة الكشف والمستلزمات الطبية، وهو ما جعل الرئيس الإيراني يوجه خطاباً إلى رؤساء الدول، ورد فيه أن «سياسة إضعاف البنية الاقتصادية والنظام الطبي في إيران، وتقليص مواردها المالية في إدارة الأزمة الحالية، أمرٌ سيؤثر مباشرة على مكافحة الفيروس في باقي دول العالم». وشدّد على ضرورة «مواجهة الإرهاب الاقتصادي الأميركي الذي كشف عن وجهه القبيح». كذلك، رجّح قائد الحرس الثوري بأن يكون «فيروس كورونا نتيجة هجوم بيولوجي يستهدف الصين وإيران أولاً، ومن ثم سائر النقاط!». وجاء الفرج من الصين، التي أرسلت 4 شحنات طبية كمساعدة إلى إيران لمواجهة «كورونا». ووصل الخبراء الصينيون، الذين التحقوا بالصفوف الأمامية إلى جانب الإيرانيين، وواصلوا محاربة الوباء. وبعد ذلك، أطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة التعاون الدولي المشترك، ووجّه رسائل إلى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، تؤكد «استعداد الصين للعمل معها في الوقاية من مرض فيروس كورونا المستجدّ والسيطرة عليه»، واقترح «بناء مجتمع يتمتع بصحة مشتركة للبشرية». كذلك، ذكر شي جينبينغ أنّ «مصير البشرية جمعاء مشترك، ولا يمكن التغلّب على هذا التحدي إلا من خلال التضامن والتنسيق». ثمّ اقترح عليها المساهمة في تحمل «مسؤولية حماية أرواح وصحة الجنس البشري كله». لكنّ رسائل الصين لم تتضمن أي إشارة إلى دور أميركي في هذا المجال. وخرج ترامب مندهشاً كالأطرش في الزفة، فصرح بأنّ «العلاقات الصينية ــــ الأميركية جيدة جداً، أتمنى لو كانوا أبلغونا بهذه المشكلة قبل 3 أشهر!».
يستطيع العلم أن يصنع الموت، لكنّه أبداً لا يستطيع أن يصنع الحياة! داخل المختبرات البيولوجية العسكرية السرية يصنع الإنسان فيروسات مميتة. كشف تحقيق للصحافية البلغارية ديليانا غايتاندزيفا، أنتجته «قناة الميادين» في عام 2018 بعنوان:«فيروسات دبلوماسية»، عن مركز لوغار وهو مختبر بيولوجي عسكري تابع للبنتاغون، يوجد بضواحي مدينة تبليسي، عاصمة جورجيا. صرّحت الرئيسة الجورجية السابقة بخصوص هذا المركز، بالقول: «ينتابني قلق جدي من أن لا يعرف أحد في الحكومة ما يحدث داخل المركز فعلاً!». وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن حذّر من تلك الكيانات السرية المنتشرة بالقرب من حدود روسيا والصين، وقال في هذا الصدد: «يجري جمع المواد البيولوجية في جميع أنحاد الدولة، من مجموعات عرقية مختلفة وأشخاص مختلفين يعيشون في مناطق عديدة في روسيا، ما هو سبب ذلك؟ وتُجمع العينات على نحو مهني وهادف، وبالتالي، يتمحور حولنا الكثير من الاهتمام!». بعد ذلك، أصدر البنتاغون بياناً قصيراً، نفى فيه «العمل على تطوير أسلحة بيولوجية في مركز لوغار في جورجيا». وقد تداولت وسائل إعلام دولية مقالاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، عن وقف أبحاث الجراثيم المميتة في مختبر تابع للقيادة الطبية للجيش الأميركي، بسبب مخاوف حكومية حول السلامة في المختبر والأبحاث التي تنطوي على ميكروبات خطيرة مثل فيروس «إيبولا». وطالب الخبراء بتوضيح من البنتاغون عن أسباب إغلاق مختبر ولاية ماريلاند، نهاية العام الماضي، وما علاقته بانتشار «كورونا».
ثمّة خيارات عديدة أمام الصين، يمكن بفضل تكنولوجيات الجيل الخامس والسادس، التأثير بسهولة على أي كيان اقتصادي كبير أو صغير، يمكن خلط أسهمه بسنداته وتعويمه وإغراقه، وكذا مساعدته بشكل سلس وتدريجي على الانتحار. هل تلجأ الصين إلى خيار الحجر الاقتصادي الشامل على الولايات المتحدة؟ هل هناك مفاوضات سرية بين الطرفين؟ هل تملك الصين أدلّة على اتهاماتها للجيش الأميركي بالوقوف وراء انتشار الوباء في ووهان؟ هل الهجوم البيولوجي تطبيق للخطة «ب»، التي تحدّث عنها دونالد ترامب؟ هل تنتج مختبرات البنتاغون البيولوجية لقاحاً عجيباً؟. يعيش العالم مخاض ولادة جديدة، بينما دخل الأميركيون في عزلة. لماذا دخل ترامب في تحدٍّ صعب ضد نفسه: إما الفوز أو الانتحار! أخيراً، هل تشهد الولايات المتحدة انهياراً دراماتيكياً شبيهاً بانهيار الاتحاد السوفياتي؟

* كاتب مغربي