تميل الكفّة في الولايات المتحدة إلى أولوية إنعاش الاقتصاد المتهالِك في بلدٍ بات يُمثِّل بؤرة انتشار وباء «كورونا» عالمياً، على حساب ضمان الصحّة العامة. الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان سباقاً إلى تبنّي الأولوية الاقتصادية حين قال بشكل واضح، الأسبوع الماضي، إن بلده «لم يُبنَ ليُغلَق». الإشارة الأخيرة، تُرجِمَت في نهاية الأسبوع، عندما تخلّى ترامب عن قراره فرضَ عزلٍ على ولاية نيويورك وأجزاء مِن نيوجيرزي وكونيتيكت في إطار مكافحة انتشار الوباء الذي تسبّب في وفاة ما يزيد على 2,300 شخص، من إجمالي 136 ألف إصابة مؤكّدة (نصفها في نيويورك)، وسط تحذيرات مِن بلوغ عدد الوفيات الـ200 ألف. قرارٌ جاء نتيجة انتقادات وصفت خطة الرئيس بـ«غير العملية»، ومن شأنها أن تسبّب الفوضى في منطقةٍ تُعدُّ المحرّك الاقتصادي لشرق البلاد، إذ تضمّ 10% من السكان، فضلاً عن كونها تدرّ 12% مِن الناتج المحلي الإجمالي.واستعاض الرئيس الأميركي عن قرار العزل، بالطلب إلى مركز مراقبة الأمراض، السلطة المكلَّفة الصحة على المستوى الوطني، نشر بيانٍ «حازم» يحدّ مِن التنقلات للدخول إلى الولايات الثلاث أو الخروج منها، لكن من دون أن يغلق الحدود. وبالفعل، سارع المركز إلى نشر بيان مقتضب، يطلب فيه مِن «سكان نيويورك ونيوجيرزي وكونيتيكت فوراً تجنُّب أي سفر غير ضروري (داخل البلاد) في الأيام الـ14 المقبلة بمفعول فوري». بذلك، أنهى ترامب جدلاً نشط في أوساط قادة نيويورك الذين فوجئوا بالقرار. ورداً على احتمال إغلاق حدود الولاية بقرار مِن واشنطن، حذّر حاكم نيويورك، أندرو كومو، عبر شبكة «سي إن إن»، مِن أن قراراً مِن هذا النوع سيكون «غير قانونيّ»، وشبَّهه بـ»إعلان حرب على ولايات» الاتحاد، كونه «سيشلّ الاقتصاد»، و«سيؤدّي إلى صدمة في الأسواق غير مسبوقة في حجمها». وقال: «بصفتي الحاكم، لن أغلق الحدود»، مذكراً بأن الولايات الثلاث أوقفت، أساساً، كل النشاطات غير الضرورية ودعت سكانها إلى البقاء في بيوتهم. وعلى المنوال ذاته، جاء ردّ فعل حاكم كونيتيكت، نيد لامونت، الذي ذكّر أيضاً بأن «نيويورك ونيوجيرزي وجنوب كونيتيكت هي العاصمة العالمية للتجارة والمال»، قائلاً: «إذا كنتَ تصرّ بصفتك الرئيس على تحريك الاقتصاد، فيجب أن تنتبه جيداً إلى ما تقوله وما لا تقوله».
تقترب المعدات الطبية من النفاد في ولايات نيويورك وميشيغان ولويزيانا


وفي حين يقترب نفاد المعدات الطبية في غيرِ ولاية، حذر أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في المعهد الوطني للصحة والعضو البارز في فريق عمل إدارة ترامب لمكافحة الفيروس، مِن إمكانية أن يحصد «كوفيد-19» أرواح ما بين 100 إلى 200 ألف شخص في الولايات المتحدة، مع «إصابة الملايين». وقال لـ«سي إن إن» إن التوقعات بأن يلقى نحو مليون أميركي أو أكثر حتفهم بالوباء «خارج النقاش تقريباً، رغم أنها غير مستحيلة، لكنها تبقى مستبعدة جداً جداً».
في هذا الوقت، وصف حاكم ولاية ميشيغان، غريتشن ويتمر، الذي أصبحت ولايته من بين الأسرع لجهة تفشّي الوباء خصوصاً في المقاطعة التي تضمّ ديترويت، بأن ما يحصل مفزع بدرجة «تمزّق الأحشاء». وقال لـ«سي إن إن»: «لدينا عمّال تمريض يرتدون كمامة واحدة من بداية دورة عملهم حتى نهايتها، الكمامات التي يفترض أن تكون لفحص مريض واحد... نريد بعض المساعدات وسنحتاج إلى آلاف من أجهزة التنفّس». وفي الإطار ذاته، ذكّر رئيس بلدية نيويورك، بيل دي بلاسيو، بأن المدينة ستحتاج إلى مئات أخرى من أجهزة التنفس خلال أيام، والمزيد مِن الأقنعة والملابس الطبية وإمدادات أخرى بحلول الخامس من الشهر المقبل، بينما لفت حاكم ولاية لويزيانا، جون بيل إدواردز، إلى أن أجهزة التنفّس في نيو أورلينز ستنفد بحلول الرابع من نيسان/ أبريل، «ولا يعلم المسؤولون في الولاية إذا كانوا سيتلقّون أي أجهزة أخرى من المخزون الوطني».
وتسجِّل البلاد كذلك نقصاً في أجهزة فحص الفيروس، إذ أعلن مسؤولون كوريون جنوبيون، أول من أمس، أنه تم منح الضوء الأخضر إلى ثلاث شركات كورية جنوبية مصنعة لمعدات فحص الفيروس لتصدير أجهزتها إلى الولايات المتحدة. وأفادت وزارة الخارجية الكورية بأن الشركات التي لم تسمِّها، حازت موافقة مسبقة تحت بند الاستخدام الطارئ مِن إدارة الغذاء والدواء الأميركية بما يسمح ببيع المنتجات فيها. وقال الرئيس الكوري، مون جاي إن، مطلع الأسبوع الماضي، إن نظيره الأميركي طلب أجهزة الفحص تلك، على رغم أن البيت الأبيض لم يتحدّث عن الطلب.