لا تلتزم مدن وأحياء المتدينين الإسرائيليين في فلسطين المحتلة بتعليمات وزارة الصحة إزاء خطة احتواء «كورونا»؛ النتيجة أن مناطقهم تحوّلت إلى مناطق موبوءة وشبيهة بالنموذج الإيطالي، مثل مدينة بني براك (شرق تل أبيب)، أكبر مدن المتدينين اليهود في العالم. وفق طبيب معاين في أحد مستشفيات وسط البلاد، كل من يأتي من بني براك لإجراء فحوص الكورونا «تكون نتيجته إيجابية». ونقلت القناة الـ12 العبرية عن الطبيب قوله: «هذه المدينة باتت شبيهة بمدن شمال إيطاليا»، وتأتي في أعقابها القدس، وتحديداً أحياءها الحريدية، حيث النسبة الكبرى من حاملي الفيروس.في غضون ذلك، ذكر تقرير للقناة الـ13 أن حفلات الزواج في المجتمع الحريدي، التي لم تتوقف رغم انتشار الفيروس، تتسبب في جمع الحريديم بالمئات، مع تحلقهم للرقص الجماعي المعروف لديهم، في تجاهل تام لإرشادات «الصحة»، مقابل فرض حجر ذاتي في المنازل لغير الحريديم في إسرائيل. وتشير التقارير المنشورة في الإعلام العبري، بجانب حفلات الزواج والرقص الجماعي، إلى فتح أبواب شركات ومحال وأسواق وكنس ومعاهد دينية ومدارس في الأحياء الحريدية، وإن اقتربت الشرطة لإغلاقها يتجمع حولها الحريديم بكثرة ويطردونها. ووفقاً للإذاعة العبرية، أعربت مصادر مسؤولة في «الصحة» عن قلقها من تفشٍّ كبير جداً لـ«كورونا» في مدن وأحياء حريدية، من بينها «مئا شعاريم» و«غيئولا» في القدس المحتلة، حيث الاكتظاظ كبير جداً، ولا امتثال لتعليمات وتوجيهات الوزارة أو ما يصدر عن الحكومة، كما أنهم لا يبلغون السلطات عن الأشخاص الذين يعانون من أعراض المرض، علماً بأنه تسكن في هذين الحيين فرقتان حريديتان معاديتان للصهيونية والدولة الإسرائيلية، هما «الفصيل اليروشالمي» و«ناطوري كارتا».
أسباب رفض الحريديم الامتثال للإجراءات الوقائية متعددة، ومنها ما يرتبط باعتقاد قائم على أن الفيروس نفسه خدعة، أو أن الله يصيب به الذين يبتعدون عن «التوراة»، أو أنه نتيجة ذنوب اقترفتها البشرية ولا قدرة على مواجهته. في المقابل، لا يعرف جزء من الحريديم إلى الآن شيئاً عن الفيروس وانتشاره، لأنهم يعيشون في مجتمعات مغلقة جداً ولا يتحدثون العبرية بل اليديشية، أو لأنهم لا يملكون وسائل تواصل مع الآخرين ومع المجتمع الحريدي الأوسع، بما يشمل الهواتف وأجهزة التلفزة والراديو، وبطبيعة الحال لا يقتربون من الصحف ووسائل الإعلام.
لتقريب المشهد أكثر، ذكرت صحيفة «معاريف» أن وزارة الصحة قررت طباعة منشورات توجيهية باليديشية، وهي اللغة الرئيسية المستخدمة في مجتمعات الحريديم، ما يسمح لهم بالوصول إلى معرفة المبادئ التوجيهية عن كورونا ومواجهته، لكن الوزارة «قررت توزيع وثيقة التوجيهات باليديشية من دون الإشارة إلى أنها صادرة عن جهة حكومية كي تضمن مسبقاً ألا يرفض قراءتها الحريديم، ربطاً بموقفهم الرافض للدولة الإسرائيلية وما يصدر عنها». وثقافة الحريديم توّلي أهمية كبيرة جداً للتواصل الاجتماعي والصلاة الجماعية في الكنس وتعلم وتعليم «التوراة» في المعاهد، وهي أولوية تسبق أي اعتبار آخر. ومع أن عدداً من قادة الحريديم من الحاخامات طلبوا إغلاق المدارس والمعابد كي يحدّوا من انتشار كورونا، فإن تشعبهم إلى طوائف ومذاهب وفرق لا تحصى منع التزامهم الكامل بتعليمات الحاخامات، لأن لكل فرقة أو فصيل حاخامها الخاص.
تفشّى المرض في مدينة بني براك تليها الأحياء الحريدية بالقدس


ويتداول الإسرائيليون على مواقع التواصل مقطع فيديو للحاخام حاييم كانيفسكي، من التيار الليتواني لدى الحريديم، يؤكد رداً على سؤال أن التعلّم في المعاهد يجب أن يستمر رغم توجيهات «الصحة». ووفقاً لموقع «معاريف»، واصل عدد من المدارس في مجتمع الحريديم غير الحسيدي فتح أبوابه رغم أوامر وزارتي الصحة والمعارف بالإغلاق، مع أن هذه المدارس، للمفارقة، أغلقت مدارس الإناث من دون الذكور. ويعطي عميد يشيفا «بونوفيتش» (مدرسة دينية)، الحاخام غيرشين إيدلشتاين، وهو معهد ديني شهير جداً في بني باراك، أوامر بفتح المدرسة لكن مع تعليمات للطلاب بدراسة «التوراة» في مجموعات أصغر مما كانت عليه. ويقول إيدلشتاين في منشور وزع في المدينة: «لن يكون هناك من سيتضرر من المرض الذي لم يأتِ من فوق (الخالق)، وميزة التوراة وكل قوتها ستحمينا وتنقذنا»، مضيفاً: «علينا أن نثق بالله الذي يراقب كل مخلوقاته، وإذا صدح صوت الأطفال بالتوراة، فستكون هذه أكبر حماية حتى لا يأتي الدمار إلى إسرائيل».
في وصف الموجبات الفعلية التي تدفع إلى رفض تعليمات «الصحة»، قال عضو مجلس بلدية بني براك، عن حزب «الليكود»، يعقوب فيدير، إن إصرار القيادة الحاخامية على إبقاء المدارس مفتوحة «يرجع إلى الاعتقاد الديني بأهمية دراسة التوراة وقدرة هذه الدراسة على رعاية إسرائيل وحماية مواطنيها»، مضيفاً: «رفض التوجيهات لا يعني موقفاً سلبياً من الدولة أو من العلم والطب، فالتلمود يشدد على أن العالم يستند في بقائه إلى ثلاثة أشياء: التوراة وخدمة الله وأعمال الخير... دراسة التوراة جانب حاسم في بقاء العالم، ولهذا يجد الحاخامات صعوبة في إغلاق المدارس». النتيجة هي العودة إلى ما ورد في تقرير القناة الـ12 نقلاً عن الطبيب الذي قال: «ما يحدث في بني براك هو تماماً ما يحدث في إيطاليا. تقريباً كل حريدي يأتي لإجراء فحص يتبيّن أنه مصاب بكورونا. هناك عائلات فتكت بها العدوى مئة في المئة. يجب على وزارة الصحة أن تنتقل من بيت إلى بيت لإخراج المرضى من بيوتهم، وإذا لم تفعل، فبعد أسابيع سنراهم يأتون بأعداد كبيرة».



الزواج في المقابر لمواجهة الفيروس!
ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن عقد قران حريدي أقيم في إحدى المقابر اليهودية لمواجهة كورونا والقضاء عليه. الزوجان هما من الفرقة الحسيدية لدى الحريديم من بني براك، والقران عُقد تحت مظلة سوداء بمشاركة عشرات يلبسون مع العروسين ثياباً سوداء. وهذه «التعويذة» المعروفة بـ«الزواج الأسود»مذكورة في عدد من الكتب الدينية اليهودية، وعُمل بموجبها في أكثر من مرحلة تاريخية للحد من أزمات خطيرة، وتحديداً في أوروبا الشرقية، سواء لمواجهة الطاعون أو أوبئة أخرى.
تذكر الكتب الدينية أنه في حال تفشي أوبئة يصار إلى تشييد مظلة سوداء في إحدى المقابر يعقد تحتها قران يتيم ويتيمة من الفقراء اليهود، الأمر الذي يكون من شأنه إنهاء الفيروس. ووفق سكان بني براك، عُقد قران شبيه في بداية القرن العشرين في القدس لمواجهة الكوليرا، تماماً كما كانت الحال في مواجهة الطاعون وغيره من الأوبئة في أوروبا الشرقية. ويفترض بهذا الزواج أن يواجه الفيروس، وأن ينتشل إسرائيل من الوباء، وإن كان العدد الأكبر من المصابين هم من الحريديم، مع تحذيرات بأن ترتفع الأعداد لديهم إلى مستويات كارثية قد تفرض إغلاقاً وحظراً شاملاً على المدن والأحياء الحريدية.