طرح أحد مكاتب المراهنات في بريطانيا رهاناً يحمل عنوان إلغاء الألعاب الأولمبية، وكانت المفاجأة أن احتمالات الإلغاء هي 4 مقابل 6. رقمٌ لا يمكن الاستهانة به ويعطي دلالة واضحة على أن ألعاب طوكيو لن تقام في ظل تفشي فيروس «كورونا» المستجدّ حول العالم.لكن هذا الرقم العالي بحسب مكاتب المراهنات يبدو شيئاً بسيطاً أمام الأرقام المالية العالية التي رصدتها لليابان لاستضافة الحدث الرياضي الأهم الذي يقام مرةً كل أربع سنوات، والذي سيترك تأجيله خسائر متفرقة، علماً أن مؤشرات كثيرة لا تستبعد إعادة جدولة الألعاب لتقام في سنة 2021، وهو ما يخلق مشكلة أخرى على صعيد برامج البطولات والاتحادات العالمية.
بطبيعة الحال، البرامج كلّها أصبحت في خبر كان، ومنها تلك الخاصة بالتصفيات الأولمبية التي تأجّلت كلّها، ما يعني أن الرياضات الـ 33 المندرجة ضمن الألعاب لا يمكن أن تقام في حال عدم اكتمال عقد المتأهلين في الوقت المناسب، وهي مسألة تحتاج إلى ضغط المسابقات المؤهلة في الفترة المقبلة، لكن لا يبدو حتى هذه اللحظة أن الصورة واضحة بهذا الخصوص، ما يترك قناعةً أخرى بأن الألعاب لن تقام في موعدها المحدد.
لكن ماذا لو تأجلت ألعاب طوكيو، وما هي الخسائر الاقتصادية والمالية التي ستنتج عن قرارٍ من هذا النوع؟
يحكى دائماً أن أحد الأسباب الرئيسية التي تسبّبت بانتكاسة مالية لليونان كانت الألعاب الأولمبية - أثينا 2004، التي جعلتها ترزح تحت ديونٍ كبيرة. طبعاً الوضع يختلف في اليابان صاحبة القوة الاقتصادية المعروفة، لكن لا يجب إغفال أن هذه البلاد صرفت 12.6 مليار دولار أميركي لتنظيم الألعاب، وهو الرقم الرسمي الخاص بالدولة اليابانية، والذي يمكن أن يضاف إليها أكثر من 5 مليارات دولار من القطاع الخاص كاستثمارات ينتظر أصحابها أن تعود إليهم بأرباحٍ ملحوظة.
من هنا، فإن إلغاء ألعاب طوكيو ستبخّر كل هذه الأرقام وترخي بأزمةٍ حقيقية على اليابان، التي يفضّل الخبراء ألا تقبل بتنظيم ألعابٍ من دون جمهورٍ أو بعددٍ محدّد من الحضور على اعتبار أن هذا الأمر سيلحق بها خسائر لا تقلّ عن المليار دولار المتوقّع تحصيلها جراء بيع تذاكر حضور المسابقات.
صرفت اليابان 12.6 مليار دولار لتنظيم الألعاب، إضافة إلى 5 مليارات كاستثمارات من القطاع الخاص


إذاً استثمارات اليابانيين في خطر، وهم الذين موّلوا التحضير للألعاب من ضرائبهم التي يمكن أن تستخدم الدولة قسماً إضافياً منها لاحقاً في حال التأجيل، وذلك لتحديث منشآت أساسية كالملعب الوطني الذي كلّفها 1.43 مليار دولار، حيث لا شك في أنه بعد سنةٍ من الموعد المقرر للألعاب سيكون بحاجةٍ إلى بعض الأعمال من أجل الارتقاء إلى مستوى استضافة المسابقات الأولمبية الأساسية.
وبالحديث عن المسابقات والرياضيين والرياضيات، فإن هؤلاء المتوقّع أن يفوق عددهم الـ 11 ألفاً، صرفت عليهم دولهم مبالغ طائلة من أجل برامجهم التحضيرية، ما يعني أنهم سيسجلون خسائر لا تحصى، وخصوصاً أن بعضهم لا يزال مستمراً في السير ضمن البرنامج المحدّد له، طالما أنه لا يوجد أي قرارٍ رسمي بالتأجيل، وهو القرار الذي سيكون مبنياً على المعطيات العالمية المتوفّرة حول انتشار المرض وتفاعله الذي يبدو في أوجّ خطورته حالياً.
طبعاً هو قرارٌ عالمي لا يرتبط باليابان فقط، وخصوصاً بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أوروبا هي بؤرة الفيروس حالياً، ما يعني أن هناك استحالة لجمع الرياضيين في القرية الأولمبية التي ستكتظ بهم، فإما احتواء الفيروس والقضاء عليه أو التأجيل انطلاقاً من اليابان الموبوءة بدورها.
وتمتد الخسائر لتشمل الإعلام، وذلك بعدما وصلت أرقام حقوق النقل التلفزيوني إلى أعلى مستوياتها، ما يلحق خسائر أيضاً باللجنة الأولمبية الدولية التي ترتكز على بيع الحقوق لتعزيز ميزانيتها، حيث تصل قيمة الحقوق إلى أكثر من 70% منها، وهي باعتها لشبكة «أن بي سي» الأميركية المعروفة مقابل 4.38 مليارات دولار لأربع دورات أولمبية، في وقتٍ أشارت فيه التوقّعات إلى أن الشبكة تنتظر أرباحاً تقارب ضعف الأرباح التي جنتها الجهة المالكة للحقوق خلال ألعاب ريو دي جانيرو عام 2016.
كذلك، فإن الاعتماد المالي الآخر للجنة الأولمبية الدولية يرتكز على الرعاة الذين يؤمّنون عبر الألعاب الأولمبية حوالى الـ 20% من ميزانيتها، وهم كما الشبكة الناقلة، لن يكون بمقدورهم ملاحقة الدولة المنظّمة قضائياً، كون انتشار الفيروس وتعطيله الألعاب الأولمبية يندرجان ضمن «الظروف القاهرة» أو الخارجة عن إرادة اليابان.


لذا يفترض الإطلالة على الإجراءات التي اتُّخذت لتجنّب خسائر إلغاء الألعاب، وهو أمر لم يحصل سوى مرة واحدة في التاريخ وكان سببه الحرب العالمية. ويختصر الإجراء الرئيسي بالتأمين على الألعاب من خلال مبلغ يقارب الـ 20 مليون دولار، رغم أنه ليس هناك أي تأكيدات حول هذا الرقم الذي لن يكون دفعه مستغرباً، وخصوصاً إذا ما أشارت الأرقام إلى دفع 14.5 مليون دولار ثمناً لبوليصة التأمين الخاصة بألعاب ريو 2016.
وهذه المعادلة تطرح المزيد من الخسائر وهذه المرة على شركات التأمين التي ستتلقّى ضربة لا يستهان بها، تتخطى حتى ضربة العقود الملغاة أو المجمّدة مع الرعاة الذين كانوا ينتظرون أن يحصدوا ثمن استثماراتهم التي باتت في خطرٍ حقيقي الآن.
الخطر هو الكلمة التي تلفّ العالم أصلاً بعد وصول زائر غير مرغوب فيه ليعيث الفوضى في بلدان القارات المختلفة، حيث لا يزال ينشر الخوف ويحصد الضحايا بالمئات ويصيب الأحداث الرياضية بمقتل، وسط الآمال بأن تحرقه شعلة الألعاب الأولمبية بانطلاقها، وذلك بعدما أطفأ حماسة العالم لها خلال الخطوة التقليدية التي تمثّلت بإشعالها في اليونان قبل أيام لتجوب المعمورة بصمتٍ هذه المرّة.