في ما يأتي، لن نسأل عن ملايين الدولارات من الهبات والقروض والمشاريع، ولن نسائل أحداً من المعنيين في القطاعين الخاص والعام، حتى لا نوغل أكثر في تعرية نظامنا التربوي الذي كشف استحقاق «كورونا» مدى هزاله. اليوم، بكبسة enter، وبأقل من يوم تدريب، يريد الجميع (من دون تمييز بين قطاع عام أو خاص)، الانخراط في عملية التحوّل الرقمي، من دون أي تحضير، وغالباً تحت ضغوط مادية بالنسبة للمدارس الخاصة، وضغط المسؤوليّة المعنويّة بالنسبة إلى المركز التربوي والمعنيين في الوزارة. وسنركز على الحلول الممكنة والسريعة والقابلة للتنفيذ بحسب ظروف كل مدرسة أو مؤسسة، خصوصاً تلك المتروكة لمصيرها وهمّة معلّميها من دون أي توجيه فعلي. علماً بأننا لا نناقش هنا أهميّة التعليم الإلكتروني مقارنة بالتعليم العادي، فهذه ليست الوضعيّة التي تنطبق على واقعنا حالياً. بل نناقش إمكانيّة تقديم حلول رقميّة يمكن أن تعوّض عن الغياب التام للطلاب عن المدرسة. لذلك كل ما يطرحه البعض حول معوّقات هذا النوع من الخيارات وجدواه صحيح بالمبدأ، لكنه يبقى في الظروف الراهنة أفضل الممكن للمدارس والأهالي والطلاب.
لدى الحديث عن التعليم الإلكتروني، نتحدث عملياً عن موضوعين هما: انتاج المحتوى الرقمي، والاتصال بالطلاب لتزويدهم بالمحتوى الرقمي التعليمي والتفاعل معهم.
يتألف المحتوى الرقمي عادة من أربعة عناصر: النصوص، الصور (visuals)، الأصوات، والفيديو، ولكل منها توظيف تعليمي مختلف، رغم استحواذ الفيديو التعليمي على باقي العناصر لا سيّما في مجال التعليم عن بعد.
وهناك العديد من أنواع الفيديو التي يمكن الاستفادة منها في التعليم، ويمكن أن ينتجها المعلمون وتؤدّي الغرض المطلوب، فضلًا عن تلك المحترفة التي تنتجها شركات تصميم التعليم. وتختلف خصائص الفيديو في التعليم الإلكتروني e-learning عن الفيديو في التعليم المدمج blended learning، إذ يمكن للفيديو في التعليم الإلكتروني أن يتخطى الـ 5 دقائق إلى 20 دقيقة بحسب الحلقة التعليميّة، وهو ما كان يعتبر من المحرّمات في التعليم المدمج، فضلًا عن اشتراط أن يشتمل الفيديو على شرح هدف كامل على الأقل إذا كان مخصصاً لشرح مفهوم، أو للتطبيق على أهداف الدرس.
وقبل أن ترتعد فرائص المعلّمين من فكرة انتاج فيديو تعليمي، نطمئنهم إلى وجود أنواع عدة من الفيديو التي يمكنهم اختيار الأسهل منها. وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار الفيديو الذي يسجل عرض شرائح البوربوينت ppt (screen cast) الأسهل بين كل الأنواع الأخرى، حيث يمكن للمعلّم الاستفادة من العروض المحضّرة من قبله سابقًا وإعدادها وتسجيلها مع تعليقه الصوتي لتصبح فيديو تعليمياً، من دون حاجة إلى أي مونتاج. كما يمكنه الاستفادة من كثير من المواقع الأجنبيّة والعربية التي تبث - مجاناً - محتوى تعليمياً مشابهاً للمنهج اللبناني لا سيّما في المواد العلمية، ومن أهمها موقع khan academy العالمي الذي ترجم أخيراً الى العربية، وموقعا «نفهم» و«مدرسة» العربيان وغيرهما.
ويمكن للمعلّم انتاج الفيديو بطرق أخرى سهلة نسبيًا، مثل تصوير ورقة بيضاء A4 عبر هاتفه المحمول، وتدوين الشرح على الورقة مرفقًا بتعليقه الصوتي، خصوصاً في مواد الرياضيّات والفيزياء. وهي طريقة لا تحتاج إلى تجهيزات معقّدة وتفي بالغرض، لا سيما عند حل التطبيقات والفروض. كما يمكن الذهاب إلى حلول أكثر احترافًأ مثل تصوير الأستاذ وشاشة العرض في آن، من خلال برامج مخصّصة لانتاج الفيديو التعليمي (Camtasia, Screen o matic, ink screen وغيرها).
ولا يمنع أحيانًا في مواد اللغات خصوصاً، وفي الحلقات الدنيا، الاستفادة من تسجيل النصوص للتركيز على الوعي الصوتي واللفظ الصحيح والأداء، فضلًا عن بعض المسابقات التي لا تحتاج لأكثر من صفحة وورد word لبعض المفردات والأسئلة من مستوى فهم وتطبيق بحسب تصنيف بلوم.
ونلاحظ أن هذه الحلول تركّز على انتاج المعلم للمحتوى التعليمي، وعندما نقول انّها حلول سهلة نسبيًا فنحن لا نسقط من اعتباراتنا الفروق الفردية بين المعلّمين ومهاراتهم في استعمال الكمبيوتر، والتدريب المسبق الذي حصلوا عليه، وندرك تماماً وجود معلّمين في الحد الأدنى من الطلاقة الرقميّة. لكن من إيجابيّات التعليم الإلكتروني عن بعد أنّه لا يتوجّب على كل معلّم انتاج كل الدروس المرتبطة بالمنهج بمفرده، بل يمكن توزيع عملية الانتاج على جميع المعلّمين والتشارك في ما بينهم، أو تنظيم هذه العمليّة من الإدارة المدرسيّة. إذ أن أي فيديو ملائم لهدف تعليمي محدّد يمكن استعماله من قبل باقي المعلّمين، وبالتالي يمكن للمعلّمين الذين يعانون من صعوبة استخدام التكنولوجيا الاستفادة من منتجات زملائهم في هذا المجال (لنتخيل لو يقوم المركز التربوي بهذه المبادرة، كم يمكن أن يريح المعلّمين وينقذ المشهد التربوي).
هذا على مستوى المحتوى، لكن ماذا عن الاتصال بالمتعلّمين، وما هي المنصّات المتاحة والمفيدة عملياً التي يمكن الاستفادة منها؟
قبل الخوض في أنواع المنصّات، يجب تحديد طريقة الاتصال بالمتعلّمين: هل هي متزامنة أم غير متزامنة؟ لأنّ لكل طريقة منصاتها المختلفة ومحتواها الرقمي الخاص، وإيجابيّاتها وسلبيّاتها.
بالنسبة للاتصال المتزامن الذي يشترط أن يقوم المعلّم بالبث المباشر لتلامذته، والتفاعل معهم مباشرة، والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم، يكون المحتوى في هذه الحالة مزيجاً من صورة المعلّم الذي يقوم بالشرح مع عرض شرائح محضّرة قبل البث من خلال البوربوينت ppt أو أي برنامج عرض آخر. يضمن هذا النمط من الاتصال التفاعل بين المعلّم والطلاب، لكنه يحتاج إلى تحضير للمادة المراد عرضها، ويحتاج إلى بعض المهارات التقنيّة في تشغيل البث المباشر. ويمكن الاستفادة في هذا المجال من تطبيقات تتيح الاستعمال المجاني مع بعض القيود على عدد المستخدمين، أو عدد مرّات البث، مثل zoom, skype, hangout وغيرها. لكننا ننصح، في هذا المجال، بعدم استخدام هذه التطبيقات رغم تخصّصها، واللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي، والاستفادة من خاصيّة المجموعات والبث المباشر في «فايسبوك» لانشاء صفوف رقميّة متزامنة، إذ أنّ معظم الطلاب معتادون على هذه المنصّات التي تتماهى مع نمط حياتهم.
أما بالنسبة إلى الاتصال غير المتزامن، فيمكن تصنيف المنصات إلى أنواع عدّة كما يأتي:
- منصات تعليميّة متخصّصة في تقديم خدمات الصفوف الرقميّة مثل google classroom, Edmodo, wiki, padlet, easyclass، وهي متاحة لاي معلّم. إذ يكفي أن يفتح حساباً له على هذه المنصّة وينشئ صفاً تعليمياً، ومن ثم يشرك تلامذته فيه (باستثناء google classroom يحتاج أن تكون المدرسة مشتركة بخدمة gsuite المجانيّة، وهنا نسأل لماذا لا تستفيد الوزارة من هذه الخدمة المهمّة جدًا؟ هل لأنها مجانيّة؟).
- منصّات مفتوحة المصدر لإدارة التعلّم عن بعد LMS مثل منصّة Moodle الشهيرة التي تتضمن تطبيقًا هاتفيًأ وموقعًا إلكترونيًا. ولا مجال للمقارنة بين هذه المنصّة والخيارات السابقة، لجهة أنّها تقدّم خدمة إدارة النظام التعليمي ككل، مع أنشطة عدة مثل الاختبارات، والورش، والمدوّنات، وغيرها، وهي خيار يصعب اعتماده من معلمين أو من مدارس أو مؤسسات، كونه يحتاج إلى بعض الخبرات التقنيّة، بينما منصّات الخيار الأوّل تعد غير مدرسيّة، لأنها لا تسمح لإدارة المدرسة بإدارة العملية، بل هي مصمّمة على قياس معلّم. ويعتقد البعض أن خيار Moodle غير مناسب بسبب تخلّف التصميم الخارجي والحاجة إلى الدعم التقني من متخصصين في المعلوماتية. لكن، مرّة أخرى، نسأل المخططين والمسؤولين لماذا لا يبادرون الى مساعدة المدارس بمثل هذه الحلول المجانية، لا سيّما إذا علمنا أن أدنى اشتراك في منصّة تعليمية محترفة تتضمن نظام إدارة تعلّم lms لا تقل عن 2.5 دولار للتلميذ الواحد في أحسن الأحوال، وهي ترتب بالتالي كلفة كبيرة على المدارس والأهالي.
- الخيار الاكثر استعمالاً حاليًا من المعلّمين هو المنصات غير التعليميّة بالأساس، مثل منصات التواصل الاجتماعي وبالأخص تطبيقي واتساب whatsapp وتلغرام telegram. إذ يسمح هذان التطبيقان ببث أي نوع من أنواع المحتوى التي ذكرناها ضمن مجموعات يتم إنشاؤها للتعليم والتفاعل مع الطلاب. ويمكن الاستفادة في هذا الإطار من سهولة الاستعمال بالنسبة إلى المعلمين والطلاب (عدم الحاجة للتدريب). كما يمكن اعتماد خدمات أخرى لاجراء بعض التقويمات من خلال مجموعة الواتساب مثل خدمة غوغل فورم google form التي تسمح بإجراء تقويم تكويني، والتأكّد من متابعة المتعلّمين للتعلّم بالشكل الصحيح، وإعطائهم تغذية راجعة فوريّة.
نحاول هنا أن نطرح على المعلّمين والمديرين والكادر التربوي عمومًا بعض الحلول الرقميّة المساعدة، إن على مستوى انتاج المحتوى أو على مستوى الاتصال، مع اعترافنا بأنّ هذه الحلول على أهميّتها لا تحل محل الحلول الأصيلة التي كان يفترض بالدولة تأمينها على مستوى وطني خلال الفترات السابقة، لنتجنب مشهد العجز الذي طغى على أداء القطاع التربوي عموماً.
بالنسبة إلى الأهالي، وبعيدًا عما يمكن للمدرسة أن تقوم به، يمكنهم الاستفادة من فرصة التعطيل القسري لأبنائهم في تعليمهم بعض المهارات، وتجنّب بقاء أولادهم طوال الوقت على الرسوم المتحرّكة والاستفادة من قنوات «يوتيوب» المتخصّصة في مجالات العلوم للأطفال ومجالات المعلومات المفيدة، فهذه فرصة ثمينة لديهم لتنمية حس التعلّم الذاتي وحب التعلّم بعيدًا عن الاكراه الذي كانت تمارسه المدرسة في الدرس وحل الواجبات والفروض المنزليّة.

* أستاذ جامعي وخبير في تكنولوجيا التعليم