كاميرات الإعلام أغلبها مصوّب باتجاه الساحات. لهذا السبب كان من الصعب على أهالي الطّيبة الجنوبية (قضاء مرجعيون) أن يفضحوا «المستور» على حدود البلدة التي شهد أحد مشاعاتها أخيراً كارثة بيئية، تضاف إلى سجلّ المخالفات البيئية الكثيرة .في محافظة لبنان الجنوبي، وتحديداً فيما يخص ملف النفايات.
وفيما البلاد مستنفرة من أقصاها إلى أقصاها، كانت الطّيبة تشهد استنفاراً من نوع آخر لعناصر في شرطة البلدية بعد رصد فريق من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني مكبّ نفايات جديداً «غير مرخص»، تبيّن أن بلدية الطيبة «استحدثته في أرض بور تبعد أمتاراً قليلة عن الأبنية السكنية». بيد أن فريق المصلحة، أثناء عملية الرصد التي أُطلقت للتحقق من صحة الشكاوى التي كثرت بعد انتشار روائح كريهة، تعرّض لـ«مضايقات» انتهت بـ«احتجاز أفراده من قبل عناصر من شرطة البلدية بواسطة شاحنة كبيرة توسطت الطريق المؤدي إلى المكبّ»، على ما يؤكد المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية لـ«الأخبار». الاستنفار انتهى بمنع الفريق من توثيق المخالفات في العقار الذي «تنقل إليه مختلف أنواع النفايات منذ أكثر من 10 أيام، وترمى فيه شحنات من مياه الصرف الصحي، بلا حسيب ولا رقيب»، وفق رواية أهل البلدة. حتى أن «القوى الأمنية لم تقدم أي تدبير حمائي» لحماية فريق المصلحة برغم استدعائها لحظة وقوع الحادثة، في حين اعتبر رئيس بلدية الطيبة، عباس دياب، أن «الكبسة المفاجئة» للفريق أجريت من دون التنسيق مع البلدية، وأبدى استغرابه من «أداء المصلحة الذي يناقض تعاون البلدية معها».
البلبلة التي أثيرت في البلدة دفعت بأهلها إلى كشف ما بقي مستوراً لفترة طويلة، انطلاقاً من أزمة النفايات التي تأججت عام 2015 مع تعطل معدّات معمل فرز النفايات في البلدة (أنشئ عام 2001). حينذاك، أصلحت البلدية الأضرار وأعادت تشغيل المعمل وطمر النفايات في المطمر المجاور له. بيد أن الحرائق التي اندلعت قبل أسابيع، طاولت محيط المعمل والمطمر وتسببت في تعطيلهما وتوقفهما عن استقبال النفايات، حسب بيان البلدية. وللخروج من الأزمة بسرعة، ابتدعت البلدية حلاً يقضي بنقل النفايات إلى مشاع بلدي «يقع جغرافياً في العقارين 11 و12». إلا أن الحل المؤقت الذي أكدت البلدية أنه لن يستمر لأكثر من 3 أيام بانتظار إعادة تشغيل المعمل، استمر شهراً كاملاً، وتحول العقاران إلى مكب عشوائي للنفايات الصلبة، بشكل مخالف للشروط البيئية وعلى نحو يسمح بوصول عصارة النفايات الملوثة إلى نهر الليطاني عبر المجاري الطبيعية أو تلويث المياه الجوفية. وهذا ما تؤكده الخريطة التي نشرتها مصلحة الليطاني، وتظهر ارتباط مكب النفايات الثاني بمجرى مياه شتوي يصل إلى مشارف النهر.
بإمكان وزارة البيئة أن ترسل خبراءها للتأكد من وجود مكبات مخالفة في الطّيبة


بعد أخذ ورد، تجاوبت البلدية مع مطلب المصلحة بضرورة التوقف عن نقل النفايات إلى المكب، وإعادة نقلها إلى مطمر البلدة، سيما أن الاصلاحات في معمل الفرز أنجزت بالكامل «بالتعاون مع شركة متخصصة»، حسب رواية رئيس البلدية، الذي أكد لـ«الأخبار» أن البلدية تتعرض لحملة يراد منها تشويه صورتها. وفي حين أشار إلى أن كلفة تشغيل المعمل وإصلاح معداته تتجاوز ثلث ميزانية البلدية، لفت دياب إلى أن الطيبة هي البلدة الوحيدة في الجنوب التي لم تحرق نفاياتها حتى في أحلك الظروف.
تصريحات دياب بت مناقضة لرواية أهل البلدة وللصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قبل يومين، والتي تظهر أن البلدية استحدثت مكباً آخر غير مرخّص على عقار جديد يقع في محيط معمل الفرز. وهو العقار نفسه الذي حاول فريق مصلحة الليطاني أن يوثق، ظهر أمس، الانتهاكات فيه، في ظل غياب أجهزة الدولة الرقابية، وتحديداً وزارة البيئة.
في أية حال، يإمكان وزارة البيئة أن ترسل خبراءها لرصد الانتهاكات في حال وجودها، التي ستغدو كارثية مع بدء هطول الأمطار وما قد ينتج منها من ترسبات شديدة السمية تصب في مجرى نهر الليطاني.
حتى الآن، لم يصل مصلحة الدوائر الإقليمية والضابطة البيئية في وزارة البيئة أي شكوى من قبل اتحاد بلديات جبل عامل أو من محافظة الجنوب في ما يتعلق بوجود مكب عشوائي مخالف للشروط البيئية في بلدة الطيبة. هذا ما يؤكده رئيس المصلحة جرجس برباري، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن تحرك الفريق الاستقصائي في المصلحة يحتاج إلى «شكوى رسمية تقدم إلى وزارة البيئة من قبل مصلحة الليطاني أو أي مواطن عادي». وفي حال تأكدت «البيئة» من صحة الشكوى، تتخذ على اثره الاجراءات اللازمة لإقفاله.