امتلأت صالة قصر المؤتمرات في ضبية، أمس، بعشرات رؤساء البلديات ورؤساء الاتحادات البلدية للاستماع إلى خريطة الطريق لمعالجة النفايات التي قدمها وزير البيئة فادي جريصاتي. في الشكل، الخطة تطرح، للمرة الأولى، حلولاً قوامها تخفيف إنتاج النفايات وفرض رسوم وضرائب على بعض المنتجات الملوثة كالنايلون والبلاستيك، فضلاً عن إعادة الاستعمال والتدوير، إلى جانب الفرز من المصدر والمعالجة والتسبيخ، وصولاً إلى إنشاء مطامر صحية. قال جريصاتي في مؤتمره إنّ حملة كبيرة ستبدأ قريباً مع بلدية بيروت التي طُلب من رئيسها جمال عيتاني وجوب وضع 3 مستوعبات للنفايات بدل مستوعبين، لتنفيذ فرز حقيقي. والعملية لا يمكن أن تكتمل إلا من خلال «تدريب الشرطة البلدية لتتحول إلى شرطة بيئية بحلول عام 2020». الأهمّ أن جريصاتي طلب من البلديات الخروج من عقلية «الحفاظ على الأصوات ومراعاة هذا وذاك تحت حجة الانتخابات، للمضي قدماً بهذه الخطة». الرسوم، بحسب الوزير، ستشمل 99 منتجاً يقول خبراء البيئة إنها بحاجة لتدقيق أكثر وتصنيف مفصل لأنواعها وتعميمها على البلديات بعد التفاوض مع التجار والوكلاء. ففعلياً، يرى هؤلاء، أنّ بعض هذه المنتجات من الأفضل جمعها وإعادتها إلى المصنّع كالمواد البلاستيكية والأدوات الكهربائية والإلكترونية، لأن إعادة تدويرها ستؤدي إلى تلويث الصناعة الناتجة منها.
بدأت وزارة البيئة حملة لمنع أكياس النايلون في المحالّ التجارية الكبيرة (مروان طحطح)

لكن يفترض قبل ذلك كله تحديد الهدف من وراء وضع الرسوم والضرائب، وألّا تُحدَّد بعقلية تجارية، بل لتخفيف أكبر قدر من النفايات حتى يُسهم هذا الإجراء في تقليل النفايات المفروزة والطمر على حدّ سواء. وأبلغت «البيئة» رؤساء البلديات باستعداد الحكومة للمساعدة في استملاك الأراضي وتأمين المصاريف المطلوبة للفرز، على أن تحقق البلديات المهمات المطلوبة منها، وألّا تتعامل مع المخالفين من منطلق انتخابي. ففرز النفايات خدمة شأنها شأن الكهرباء والماء، ولن تحصل مجاناً. لذلك، أوضح الوزير أن الخطة تلحظ فرض رسم على الشقق بحسب مساحتها. فعلى سبيل المثال، إذا كان حجم الشقة بين 120 و200 متر، يدفع قاطنها 5 آلاف ليرة. فيما الذي يسكن في شقة تراوح مساحتها بين 200 و300 متر، يدفع 10 آلاف شهرياً. على أن تختلف الرسوم الخاصة بالمصانع والمطاعم، وتؤمن البلديات مداخيل للجمع والمعالجة بمعزل عن الشركات التي تتولى حالياً جمع النفايات وطمرها. أما المداخيل الأخرى، فيجب «أن تطلبوها من النواب الذين ساهمتم بنجاحهم لاسترداد عائداتكم من دون العودة إلى الصندوق البلدي».
المشكلة الرئيسية في هذه العملية، إلى جانب حثّ البلديات الكسولة على القيام بدورها والتواصل مع سكان البلدات لإطلاعهم على طريقة الفرز ومراحلها، معارضة أغلب البلدات إنشاء مطامر صحية في أراضيها. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى انعدام الثقة بالدولة، ولجوء بعض رؤساء البلديات والنواب إلى تبنّي خيارات شعبوية. وفي هذا الصدد، تحدث جريصاتي عن حوافز للبلديات والاتحادات التي تُنشئ معامل أو توفر أرضاً للطمر، قد تكون عبارة عن حوافز مادية أو غيرها. وفي حديثه عن المناقصات، شدد على ضرورة الفصل بين الكنس والتشغيل والمعالجة والطمر، فتلزيم كل هذه المشاريع لمتعهد واحد يفتح المجال لصفقات الفساد، مؤكداً أن اتحادات البلديات قادرة على الكنس بنفسها. من جهة أخرى، اقتراح الحلّ ليس مُنزلاً، وفق جريصاتي، بل يمكن البلدية عدم التقيّد بحل الوزارة شرط تقديمها حلّاً نهائياً في فترة زمنية لا تتخطى ثلاثة أشهر.
وكان لا بدّ في الاجتماع من التطرق إلى «المحارق»، على اعتبار أنها خيار قائم، و«معها حق الناس تخاف منه، لأن ما في ثقة بالدولة». إلا أنّ ما كشفه جريصاتي، أنّ مجلس الوزراء وافق على دفتر شروط معامل التفكك الحراري المقدَّم من الاستشاري «رامبول» عام 2017، وتقرر يومها «تسهيل عمل بلدية بيروت لإنشاء معمل من هذا النوع». لكن ما الحاجة إلى المحارق في ظل تخفيف النفايات والفرز والمعالجة والتسبيخ والطمر الصحي؟ سألت «الأخبار». فكان الرد أنّ «لبنان بحاجة إلى حلول طويلة الأمد، إذ لا يمكن تحويل سهل البقاع وعكار - على سبيل المثال - إلى مطامر. كذلك فإن بعض البلدات والأقضية عاجزة عن إيجاد مطامر، فمن يستقبل نفايات بيروت التي تفتقر إلى مساحة لإنشاء مطمر؟ فضلاً عن أنه يصعب إلزام كل المواطنين بالفرز. وعليه، ستبقى هناك كميات غير معالجة، ويمكن أن نصل إلى نسبة 30% من الطمر الصحي». كلام جريصاتي يتناقض مع خطته المعدة لإنشاء 23 مطمراً في كل لبنان من المفترض ألّا تكون لبلدة معينة، بل لمحافظات أو عدة بلدات. وبالتالي يمكن أن تكون نفايات بيروت مشمولة ضمن هذه المطامر التي سيحصل مستقبلوها على حوافز... إلا إذا كانت هذه الحجة تهدف إلى تبرير اعتماد خيار رئيس بلدية بيروت بحرق كل نفايات المدينة قبل البدء بالفرز.
جريصاتي: الفرز خدمة وستفرض رسوم على المنازل بحسب مساحتها

فضلاً عن أنّ مبدأ تخفيف النفايات والعمل على رد جزء منها إلى المصنّع، يطيل عمر المطامر عشرات السنين. فالواقع أن لا حلّ سحرياً بين ليلة وضحاها، ولا قدرة على إلزام كل المواطنين بالفرز، ولكن فرض الرسوم على المخالفين كما بلدية بيت مري في المتن الشمالي على سبيل المثال يخفض من نسبة هؤلاء ويجبرهم على التقيد بالتعليمات حتى لا يصلهم ضبط بقيمة مليون ليرة. وكان لـ«الأخبار» سؤال آخر عمّا تنوي وزارة البيئة فعله حيال بلوغ مطمر برج حمود قدرته الاستيعابية القصوى؟ فأجاب جريصاتي بأنّ البدء بالفرز في أقرب وقت ممكن، وتطبيق خريطة الطريق عبر تحويلها إلى قانون، سيُسهمان في إيجاد حلّ جذري للمشكلة.
أما الخطوات التي وعد بها جريصاتي، فهي: 1- وقف المكبات العشوائية التي تخطّى عددها ألف مكب، عبر تكليف مجلس الوزراء لمجلس الإنماء والإعمار تحديد أماكن المطامر الصحية والسعي إلى توليد الكهرباء بطريقة مشابهة لما فعلته الناعمة. 2- تشغيل المعامل الموجودة كالعمروسية ومعمل التسبيخ في الكوستابرافا، وتأهيلها، وتوسيع معملي الكورال الكرنتينا، وافتتاح معامل جديدة كجب جنين. 3- إعداد دراسة الأثر البيئي لمعامل التفكك الحراري.
وأشار الوزير إلى أنّ مواقع المطامر محددة منذ عام 2005، على عهد وزير البيئة السابق يعقوب الصراف، ودراسة آثارها البيئية منجزة. ويفترض أن تنجز هذه العملية قبل نهاية العام الجاري «بمعزل عن رغبة البعض في تحويل أزمة النفايات إلى أزمة طائفية لإفشال الحلول». وأبلغ جريصاتي البلديات أنّ الدولة ستتكفل بعملية استملاك العقارات. أما المرحلة الثانية من الخطة، فستبدأ في عام 2020 لتشغيل المعامل وتلزيمها، ودعم الاتحادات الراغبة في الحصول على استقلاليتها. فيما المرحلة الأخيرة هي إنتاج الطاقة.