إثر جولته الأخيرة في مرج بسري وتصريحه عن حصريّة دور وزارته في تقييم الأثر البيئي، غاب عن بال وزير البيئة فادي جريصاتي أن الهدف من تقييم الأثر البيئي (والاجتماعي) هو أولاً حماية موقع المرج وسكّانه. فمراعاة شروط البيئة المستدامة أمر مستحيل بعد تدمير كامل المرج، وحينها لا يبقى معنى لكلامه عن «دراسة التعويض عن مرج بسري». ونُذكّر الوزير بالمرسوم 2366/2009 المتعلِّق بالخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة، الذي صنّف مرج بسري على أنّه واحد من «المنتزهات الطبيعيّة المحليّة» الخاصّة بمحيط محميّة أرز الشوف، وهو بذلك سهل نموذجي طبيعيّ محميّ ذو مصلحة وطنيّة زراعيّة. السهل يندرج ضمن التراث اللبناني الجيولوجي، الإيكولوجي والأثري. لذا يجب الحفاظ عليه، إضافة إلى كونه يقع ضمن «وادي جزين» ومعرَّض للزلازل بشكل خطير بسبب فالق روم وسواه، كما بات معلوماً. كما أنه يعدّ من المناطق الحسّاسة جداً (very high vulnerability) ومصدراً للمياه الجوفيّة المتوافرة على مستوى مرتفع وقريب من وجه الأرض، وقد أُدرج لهذا السبب على لائحة المناطق التي يمنع إنشاء مقالع فيها.ما تقدّم يُثبت أن مشروع السدّ وتصاميمه تناقض شروط خطة ترتيب الأراضي، وموقعه غير ملائم، وادعاءات «مجلس الإنماء والإعمار» مغلوطة وتضليليّة. لذا، نطالب الوزير بتعيين لجنة بيئية - فنيّة - علميّة، مهمّتها النظر في مضمون الكتاب المرفوع إليه (رقم 1652/ب/2014) منذ 3 أشهر (بخلاف مهلة الردّ وهي 15 يوماً)، لإيقاف المشروع فوراً بما فيه قطع الأشجار وتلف المزروعات والتعويض الإيكولوجي. وإلزام المجلس بإعداد تقرير أثر بيئي واجتماعي جديد، بما أن المباشرة بالمشروع لم تتم ضمن المهلة القانونيّة من تاريخ الموافقة الأساسية لتقييم الأثر البيئي، أي قبل انقضاء عامين على التقرير الأول (حزيران 2014). وبعدما طرأت تغييرات على واقع المرج (مثل انخفاض منسوب نهر بسري، السبب الأساس لجدوى السد). إن كميّات المياه في مجرى نهر بسري، خلال السنوات الخمس الماضية، أثبتت أنها غير كافية ولا فائض لنقله لبيروت الكبرى، إذ إن المعدّل الوسطي السنوي لهذه المياه لم يصل إلى 50 مليون متر مكعب، الحدّ الأدنى المستهلك والمُستثمر محليّاً، نسبة الى التصميم الحالي للمشروع. وذلك دونه أسباب، منها تبخّر المياه من جراء التخزين السطحي المكشوف في البحيرة، تسرّب المياه المتزايد إلى جوف الأرض، التخزين الإلزامي الدائم للمياه لحماية حوض البحيرة، خسارة حجم تخزين المياه ضمن البحيرة بسبب الترسبات المتراكمة والملوّثات المتزايدة، كميات المياه لصالح إقليم الخروب (موقع الأبار الأربعة الحالية هو ضمن منطقة منشأة السد)، وخاصة كميات المياه التي يجب الحفاظ عليها لصالح نهر الأولي (نحو 17 كلم) تأميناً لديمومة جريانه وخدمة للمناطق التي تتغذّى منه. هذا كلّه، يضاف إليه عدم احترام توصيات تقرير الأثر البيئي الأساسي، بما خص الجيولوجيا والجيوتقنية.
لذا، نطالب بدراسة جديدة لجدوى المشروع من جميع نواحيه، مع دراسة معمّقة للبدائل. وإعداد دراسة تقييميّة جديدة تشمل كل ما له علاقة بالجيولوجيا والهيدروجيولوجيا والزلازل والجيوتقنية والهيدرولوجيا والهيدروليك (مصادر وكميّة المياه) ونتائج التغيّر المناخي من احتباس حراري وجفاف مُبكر، كما نوعيّة المياه وطبيعة التكرير.
إن تجاهل وزير البيئة لوقائع هذه القضية البيئية والكتاب المذكور، و«تنصّله» من دور وزارته فيها، يفضحان التبعيّة للنهج القائم وعدم المهنيّة في مقاربة ملف مرج بسري. وعليه فإن كلام الوزير عن «ضرورة إقناع الهيئات الأهليّة بالمشروع استناداً الى دراسات وتقارير منشورة من مجلس الإنماء»... مرفوض لأنه يشوبها نواقص وتزوير للحقائق.
المطلوب اليوم، إعلان فشل مشروع السدّ وإلغاء أي فكرة مشابهة ضمن مرج بسري. بل وضع خطّة تفصيليّة لتنفيذ مشروع بيئي، سياحي، ثقافي، تراثي... متكامل للمرج والتلال المجاورة له وتحويل ملكيّتها لصالح الدولة ويتمّ تثبيت تصنيفها بموجب قانون كمحميّة طبيعية (ليس بقرار أو مرسوم فقط) مع إدارة متخصصة وإشراك السكان فيها.
فيا حضرة وزير البيئة، هكذا تكون المحافظة الحقيقيّة على الإنسان والبيئة وحماية الطبيعة، خاصة أنّ الأصل، نتاج خلق الخالق، يشكّل «جنّة» على الأرض.
* أخصّائي جودة