قبل شهر أصدر وزير السياحة أواديس كيدانيان تعميماً (رقم 5)، على «المسابح والحمّامات البحريّة ومرافئ الاستحمام»، لـ«التزام بنود السلامة العامة وسلامة الرّواد»، طالباً منها، من بين جملة بنود، «اعتماد المساواة في استقبال الزبائن من دون تمييز لجهة العرق أو الجنسيّة أو الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة المتمتّعين بالأهليّة القانونيّة». تعميم كيدانيان لا يبدو أنّه يلاقي تطبيقاً فعلياً لدى المؤسسات المقصودة به، رغم أنه جزم بـ«أن الوزارة ستتشدّد في تطبيقها (البنود الـ11) وأنها ستضطر إلى اتخاذ الإجراءات القانونيّة المناسبة بحقّ المخالفين».آخر فصول «المخالفات»، كان حادثة نشرتها الصحافيّة سحر مندور، عبر حسابها الخاص على «فايسبوك»، لما حدث مع امرأة هنديّة، حضرت مع فريق أكاديمي - فني لإلقاء محاضرة في مؤتمر دولي عُقد في لبنان. إذ مُنعت من دخول مسبح «سبورتينغ كلوب» (المنارة)، «وفقاً للونها وعرقها وقبل تبيان طبيعة عملها». هذه الحادثة، ترافقت أيضاً مع منشور للمسبح عن «قواعد السبورتينغ كلوب»، حول «سياسة اللباس للمساعِدات»، يطلب فيها من العائلة التي تعمل لديها العاملة المنزليّة التوقيع على تعهّد بـ«الموافقة على التقيّد بتلبيس المساعِدة وفقاً لقواعد السبورتينغ كلوب، كما يظهر في الصورة المرفقة». الصورة تُظهر امرأة سمراء اللون، بـ«شورت وتي شيرت»، من دون ظهور وجهِها، وتهدّد فيه إدارة النادي من يتخلّفون عن التطبيق بطردهم وعدم إرجاع المال الذي دفعوه. هكذا أراد المسبح أن يوقّع «الكفيل»، كما يسمّيه نظام الكفالة، على شروط اللباس الذي تفرضه الإدارة على العاملات الأجنبيّات بارتداء «شورت وتي شيرت». الردود على المنشور تفاعلَت أمس، حيث دعا كثيرون إلى مقاطعة المسبح لانتهاكه حقّ العاملات في ارتداء ما يردنه، ومعاملتهنّ بعنصريّة وتمييز.
أمام التفاوت الكبير في سياسات النوادي والمسابح، وكذلك التفاوت في وعي العائلات التي تعمل لديها العاملات، وبوجود نظام كفالة ينتهك حقّ العاملات يومياً ويضع حياتهنّ ولباسهنّ في يد «كفيل»، ستبقى الانتهاكات تسجّل يومياً. فيما «سلاح» المواجهة الوحيد بأيدي الناشطين المناصرين لحقوقهنّ هو «المقاطعة». وذلك، بغياب أي رقابة تضع مثلاً لائحة بالمسابح أو المطاعم العنصريّة، كما أعلنت وزارة العمل أنها تعدّ لائحة مماثلة منذ شباط الماضي عن المنتهكين من أصحاب العمل بحقّ العاملات المنزليّات.
الشريك في النادي، مروان أبو نصّار، قال لـ«الأخبار» إن «الهدف من التعميم الإداري هو إلزام الجميع من دون تمييز بارتداء الثياب الخاصّة بالسباحة، وعدم النزول إلى المسابح بالثياب العاديّة، فقد لاحظنا أن العديد من روّاد المسبح يصطحبون الخدم (العاملات المنزليّات!) بثياب العمل في المنزل، فينزلن بثيابهنّ إلى المسبح... معقول أن العائلات تجبر العاملات على البقاء بثياب المنزل حتى خلال الويك إند على البحر؟». نصّار يوضح أن «سياستنا بسيطة وقائمة على ضرورة ارتداء المايوه، وقد فسّر البعض المنشور على عكس قصدنا». نسأله «أليس الشورت والتي شيرت ثياباً غير خاصّة بالبحر؟»، يجيب «بلى، لكنّ هذا أقلّ تدبير يمكننا أخذه لعدم الاصطدام بعائلات ترفض السماح للعاملات بارتداء المايوه، كما أن بعض العائلات يصرّح بأن العاملة لا ترتديه أساساً (في إشارة إلى طقوسهنّ الدينيّة)». إذاً، هل تستقبلون نساء محجّبات يرتدين ثياب البحر الخاصّة بالحجاب (البوركيني مثلاً)؟ «لا، ثمة مسابح مخصّصة للمحجّبات». وماذا عن عدم السماح لامرأة هنديّة بدخول المسبح؟ يقول «غير صحيح، لم نرفض دخول أحد». هل من إجراء تصحيحيّ؟ «ليس لدينا ما نصحّحه، والزبون الدائم لدينا يعرف مبادئنا، لسنا عنصريّين».
يذكر أن «حركة مناهضة العنصريّة» أجرت قبل سنوات تجربة مصوّرة (كاميرا خفيّة) لعدد من المسابح في لبنان، حول سماحها للعاملات الأحنبيّات بالسباحة، انتهت إلى «جواب إيجابي من مسبح واحد فقط». فيما كان الـ«سبورتينغ» بين المسابح الرافضة. مصادر في «الحركة» قالت لـ«الأخبار» في ما يخص اللباس المحدد، بأنه «يُسمح للمؤسسات الخاصة أن يكون لها شروط لباس محدد، ولكن لا يمكن تطبيقها ذلك فقط على مجموعات معيّنة من الأشخاص، بناءً على جنسيتهم (سواء الحقيقيّة أو المتصوّرة عنهم) أو خلفيّتهم أو لونهم أو وظيفتهم. وهذا تمييز صارخ ومرفوض وتمنعه ​​وزارة السياحة». وذكّرت بأنه «في عام 2012، أصدرت وزارة السياحة تعميماً تحظّر فيه التمييز على الشواطئ، تمكنّا على أساسه من رفع دعوى ضد أحد أكثر شواطئ بيروت شهرة».
ما يحصل في مسبح، يحصل في آخر بأشكال وقرارات إداريّة متفاوتة. فتعميم وزير السياحة على المسابح، بعيد عن التطبيق والمحاسبة ليس لناحية عدم التمييز بحسب العرق أو الجنسيّة وحسب، بل لناحية بنوده العديدة حول إلزام المسابح بـ«إجراء فحوصات دوريّة للمياه ونشر التقارير في مكان بارز» مثلاً، أو «نشر لوائح الدخول وأسعار المأكولات والمشروبات في مكان بارز»... أو «توفير غرفة إسعافات أوليّة»، أو «توفير مياه صالحة للشرب مجانيّة للزبائن».