نشرت «الأخبار» (22 حزيران 2019) تقريراً حول ندوة عقدها «المنتدى العاملي الوطني» حول «تلوث الهواء في بيروت». وورد في التقرير الآتي: «رغم هذه المعطيات الخطيرة، بدت التوصيات التي أعطتها مقلد، باسم وزارة البيئة، أشبه ما يكون بإعطاء حبة بنادول لمريض بالسرطان، كالتخفيف من استخدام السيارات، واقتناء نباتات لتنقية التلوث المنزلي...». لذا، يرجى توضيح ما يلي:أولاً، دعوتي إلى هذه الندوة كانت بصفتي اختصاصية في نوعية الهواء ومحاضرة في جامعة القديس يوسف، لا ممثلة لوزارة البيئة.
ثانياً، المواضيع التي تطرقت إليها حدّدت من قبل مدير المنتدى وتركزت حول ثلاثة محاور أساسية: مخاطر تلوث الهواء على الصحة، دراسات علمية تبرهن مخاطر تلوث الهواء، وتوصيات عملية محددة وممكنة التطبيق حول دور المواطن في التخفيف من التلوث. ويتبين من هذه المحاور أنها أكاديمية محض ومبنية على دراسات منشورة في مجلات علمية موثوقة. ورغم مضمون مداخلتي، يؤسفني أن تُختصر التوصيات التي قدمتها، بعبارة «حبة بنادول». إذ فصّلت، خلال الدقائق الخمس المخصصة لي، أكثر من 24 حلًا تعتمد عالميًا. في ما يتعلق بالهواء المحيط (ambient air)، اقترحنا التخفيف من تلوث الهواء الناجم عن قطاع النقل كونه مصدرًا أساسيًا للتلوث عبر اقتراح حلول عدة، منها اقتناء السيارات الهجينة أو الكهربائية والاستفادة من التحفيزات البيئية المتعلقة بالإعفاءات الجمركية على هذه السيارات، الحفاظ على السيارة في حالة جيدة والتحقق من ضغط الهواء في الإطارات شهريًا لتوفير استهلاك الوقود، عدم تشغيل محرّك السيارة في الوضع الخامل وإطفاؤه خلال زحمة السير، تشارك السيارات للتخفيف من الإنبعاثات، وغيرها. كما تطرقت إلى وجوب عدم حرق النفايات بل إعادة تدويرها، وتجنب حرائق الغابات، توفير الطاقة عبر اللجوء إلى الطاقة المتجددة وإطفاء الأدوات الإلكترونية واستعمالها فقط عند الحاجة. فضلا عن زراعة الأشجار التي تعتبر المنقي الطبيعي للهواء وتجنب استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية في الزراعة وغيرها من الحلول.
أما بالنسبة للهواء الداخلي (indoor air) الذي قد تصل نسبة تلوثه إلى خمسة أضعاف الهواء المحيط بسبب المصادر المنزلية لتلوث الهواء مثل الأدوات الخشبية ومواد الطلاء ومعطرات الهواء وبعض مواد البناء والتدخين وغيرها، فقد ركزت على أن الإنسان المعاصر يقضي حوالي 90% من حياته اليومية في بيئات مغلقة مما قد يتسبب في حدوث أمراض مرتبطة بالحساسية والجهاز التنفسي وعدم القدرة على التركيز. وتسمى هذه الأمراض بمتلازمة المباني المغلقة (sick building syndrome). لذا اقترحنا ما يلي: إقتناء نباتات محددة من خلال دراسة علمية نشرتها الوكالة الوطنية للفضاء والطيران (NASA) تساعد في الحصول على هواء صحي ونقي بشكل أكثر فعالية، واستعمال أدوات تنظيف غير سامة، واستبدال معطرات الهواء بالزيوت العطرية الأساسية، وعدم التدخين داخل المنزل تهوئته المنزل، ابقاء المنزل خاليا من الغبار، استعمال الفلاتر ومنظفات الهواء، وغيرها.
وعند فتح باب الأسئلة، وتعليقاً على أحد الأسئلة حول ما تقوم به وزارة البيئة للتخفيف من التلوث، أجبت بأن الوزارة تعمل على أمور كثيرة منها إصدار المراسيم التطبيقية لقانون حماية نوعية الهواء، ويقوم موظفوها بكشوفات ميدانية على المصانع لالزامها بتركيب فلاتر للمداخن واتباع تقنيات أقل تلويثأ. كما أن مشروع LEPAP يقدم قروضا من دون فائدة تقريباً للمؤسسات الصناعية لتنفيذ خطوات للحد من التلوث الصناعي. إضافة إلى أن الوزارة انتهت من وضع الاستراتيجية الوطنية لإدارة نوعية الهواء وأرسلتها مجلس الوزراء لإقرارها. اضافة الى التذكير بالتحفيزات البيئية المتعلقة بالإعفاءات الجمركية. وعندما سئلنا عن عملية الرصد أشرنا إلى أن وزارة البيئة قامت بتثبيت الشبكة الوطنية لرصد نوعية الهواء المحيط وتعرض مؤشر نوعية الهواء من خلال تطبيق هاتفي سيتم عرضه على محطات التلفزة ولوحات اعلانية.
نلفُت أخيراً إلى أن إنجاح الخطط البيئية يقتضي التعاون بين مختلف الإدارات الرسمية والبلديات، ولا بد من التنويه بأهمية دور المواطن ونشر الوعي والثقافة البيئية لديه. ووزارة البيئة وإن كانت معنية إلى حد كبير بالمحافظة على عناصر البيئة والرقابة والضبط وإيجاد الحلول المناسبة للحد من تلوث الهواء، إلا أنه لا بد من الإعتراف بأن الشأن البيئي يكاد أن يكون الشأن الوحيد الذي يتطلب تعاون وتضافر جهود الجميع لإنجاحه، فكيف يمكننا أن نقول «بيئة» دون أن نستذكر أهمية دور وزارة الزراعة ومصلحة الأحراش ووزارتي الصناعة والطاقة والمياه في ما يتعلق بالإنبعاثات الصادرة عن المؤسسات الصناعية ونوع المحروقات، ووزارة الداخلية والبلديات في ما يتعلق بمرتكبي المخالفات البيئية ومسألة فرز النفايات أو تدويرها، ووزارة العدل والقضاء عند تنفيذ الأحكام ومعاقبة المخالفين.

* اختصاصية في نوعية الهواء