ملفات كثيرة تنتظر وزير البيئة محمد المشنوق، لكن إدارة النفايات المنزلية الصلبة هي دون شك من أكثر الملفات إلحاحاً، إذ إن الرئيس تمام سلام قدم تعهداً شفهياً هو الأول لحكومته قبيل تشكيلها، وذلك أثناء الاعتصام المفتوح الذي استمر أياماً عدة أمام مدخل مطمر الناعمة _ عين درافيل، تاركاً شوارع بيروت وجبل لبنان تغرق بالنفايات. وفي حين تمهل «حملة إغلاق مطمر الناعمة» الحكومة 15 يوماً بعد نيلها الثقة، كي تضع هذا الملف على نار حامية، أكد المشنوق في اتصال مع «الأخبار» أنه يضع هذا الملف الدقيق والحساس والمزعج على رأس جدول أعماله». ولفت المشنوق الى أن موعد إغلاق المطمر هو بداية عام 2015، وهو أمر ينبغي أن يتم الالتزام به، كما ينبغي التدقيق بالعقود المرتبطة بإدارة النفايات لضمان حسن تطبيقها».
وأضاف المشنوق، على الصعيد التشريعي، أنجز الوزير ناظم الخوري العديد من القوانين تتعلّق بالنيابة العامة البيئية، المحميّات الطبيعية، النفايات الصلبة، وحماية نوعية الهواء، وتدرسها حالياً اللجان النيابية، وسوف أسعى مع الرئيس تمام سلام من أجل إقرار هذه القوانين في مجلس النواب بعد نيل الحكومة الثقة».
يستذكر المشنوق جمعية الإعلاميين للبيئة والتنمية التي شارك في تأسيسها قبل نحو 20 سنة، وهو دعا عبر «الأخبار» جميع الزملاء العاملين في الشأن البيئي والتنموي والعلمي إلى إعادة إحياء هذه المبادرة واستنهاض الصحافة البيئية الرصينة. وأكد المشنوق أن شعاره سيكون «بيئتي وطني»، والوطن الذي لا توجد فيه بيئة سليمة هو وطن ناقص. وبقدر ما نتمكن جميعاً من تحقيق بيئة مميزة لوطننا عن غيرها يكون وطننا بألف خير. وقال المشنوق: «الفترة أمامنا لن تكون طويلة، فهذه الحكومة هي استثنائية في ظرف استثنائي، والمهم فيها أن تكون شبكة الأمان الوطني؛ ولكن أيضاً شبكة الأمان البيئي هي جزء من هذا الأمان الوطني».
من أين يمكن للوزير المشنوق أن يبدأ؟ الخطوة الأولى تتعلق بمسودة مشروع الخطة الوطنية لإدارة النفايات التي أقرتها اللجنة الوزارية التي رأسها نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، ولم تقر في مجلس الوزراء. وبمعزل عن عشرات الشوائب التي تضمنتها هذه الخطة، والثغر القانونية والمالية التي ستواجهها، والاعتراضات الشعبية على أي محاولة لاستملاك أراض بغرض تنفيذها، فإن هذه الخطة اقترحت طرح مناقصة عالمية ضمن دفتر شروط موحد ينجز من قبل شركة رامبول في غضون تسعة أشهر ونصف من موافقة مجلس الوزراء. وهذا يعني أن جل ما يمكن الحكومةَ العتيدة أن تقوم به قبل الاستحقاق الرئاسي واعتبارها مستقيلة، هو دفع كرة الخطة الوطنية لإدارة النفايات الى ملعب الشركة المكلفة بإعداد دفتر الشروط.
ولكن، ماذا عن مصير النفايات بعد الموعد النهائي لإقفال مطمر الناعمة، الذي تعهدت به مختلف الأطراف السياسية في مطلع العام المقبل؟ لا يمكن بتّ هذا الموضوع إذا أصر مجلس الوزراء على ربط إقفال المطمر بموضوع الخطة الوطنية، فالمهلة الزمنية لإقرار الخطة وبدء تنفيذها لا تقل عن خمس سنوات، في حين تشارف المهلة النهائية لإيجاد بديل من مطمر الناعمة على الانتهاء.
ومن المعلوم أن كمية النفايات التي يجري طمرها دون معالجة تزيد على 2400 طن يومياً، وفي حال عدم تأمين مطمر بديل، فإن أزمة النفايات ستتفاقم. لكن البديل يحتاج الى استملاك وإلى إقرار مرسوم حوافز للبلديات وإلى إقناع البيئة الاجتماعية به، وهي رزمة من الظروف والخطوات تهرّبت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006 من القيام بها، سواء في الموقع المقترح في الشوف (ظهر المغارة _ بعاصير) أو في الموقع المقترح في كسروان (حصرايل)، الأمر الذي أدى الى فشل الخطة التي طرحها في حينها مجلس الإنماء والإعمار وأقرها مجلس الوزراء.
ليس واضحاً ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه وزارة البيئة في هذه الحالة، إذ إن صلاحية استملاك أراض جديدة لضمان ديمومة عقد تشغيل المطمر الصحي لنفايات بيروت وجبل لبنان تعود إلى مجلس الإنماء والأعمار. ومن المعلوم أن المجلس لم يعلن حتى الساعة عن أرض بديلة لإنشاء مطمر بديل من الناعمة، مع الإشارة الى أن هذه الأرض يجب أن يتم استملاكها والبدء بتجهيز بنيتها التحتية في موعد أقصاه حزيران 2014، في حال التزام الحكومة بموعد إقفال مطمر الناعمة في كانون الثاني 2015. ومن الطمر الى المعالجة، لا تزال الوعود التي تقدم بها رئيس مجلس الإنماء والإعمار، نبيل الجسر، بعيدة عن التطبيق، إذ إن الحديث عن استملاك أو استئجار قطعة أرض في منطقة البقاع أو الشمال من أجل إنشاء مركز لمعالجة نفايات بيروت وجبل لبنان لا يزال وعوداً فارغة، كما أن الشركة المتعهدة لم تعلن قبولها بهذا الاقتراح الذي يرتّب عليها أعباء مالية ضخمة، قبل أشهر معدودة على انتهاء مهلة عقودها، وهو أمر مستبعد من الناحيتين التجارية والاستثمارية.
وكانت وزارة البيئة قد شهدت أول من أمس حفل التسليم والتسلم بين الخوري والمشنوق. وذكّر الخوري بالشعار الذي رفعه في حزيران عام 2011 عند تسلمه الوزارة «البيئة السياسية في خدمة السياسة البيئية» شعار اتّخذناه عندما تسلّمنا وزارة البيئة. كما عدّد «الإنجازات التي حققتها الوزارة على المستوى التشريعي، سواء لجهة مشاريع القوانين التي أحيلت الى مجلس النواب ، أو المراسيم التي أقرّها مجلس الوزراء؛ ومنها مرسوم التقييم البيئي الاستراتيجي، تقييم الأثر البيئي، الالتزام البيئي للمنشآت، والمجلس الوطني للبيئة، إضافة الى المراسيم المتعلقة بتنظيم محافر الرمل والمقالع والكسّارات، والصيد البري». ولكن، ماذا عن المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات الذي يعدّ من أبرز تركات الحكومة الماضية، ولم يتم إقراره في مجلس الوزراء؟ يرفض المشنوق الغوص في تفاصيل هذا الملف الى حين الاطلاع على كامل المعطيات المتعلقة به.
إنجاز آخر تحدث عنه الخوري يتعلق بملء معظم المراكز الأساسية في وزارة البيئة من رؤساء مصالح ودوائر وأقسام. ولكن، ماذا عن القطيعة الكاملة بين الخوري والمدير العام بيرج هاتجيان. اختتم الخوري عهده في الوزارة على وقع الإجازات القسرية التي منحها للمدير العام، فما طبيعة العلاقة التي ستحكم المشنوق وهاتجيان. تؤكد معلومات «الأخبار» أن المشنوق كانت تجمعه علاقة صداقة بوالد هاتجيان، وأن العلاقة ودية بين الرجلين. الخوري أيضاً عندما تسلم الوزارة كانت تجمعه أطيب العلاقات مع هاتجيان وهو يرتبط به بصلة قرابة، لكن سرعان ما دب الخلاف بين الوزير والمدير العام وأدى الى عزل الأخير وسحب العديد من صلاحياته. وإذا كان من المبكر توقع طبيعة العلاقة بين المشنوق وهاتجيان، فمن المؤكد أن عمر الحكومة القصير لن يسمح باختبار جدي لمصير هاتجيان في وزارة البيئة، وخصوصاً أن من المبكر توقع خريطة التعيينات الإدارية، وما إذا كانت ستشمل نقل هاتجيان وعدداً آخر من موظفي الفئة الأولى من مناصبهم؟

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar