قطعت وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني «الشكّ باليقين»، معلنةً أن «الدراسات العالميّة والعلميّة بيّنت عدم وجود ضرر صحي جراء استكمال وصلة المنصورية»! هكذا ضربت الوزيرة أمس، خلال مؤتمرها الصحافي المشترك مع المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، كمال حايك، عرض الحائط بدراسات تبحث مدى تأثير التلوّث الكهرومغناطيسي الناتج من خطوط التوتّر العالي على الصحّة. البستاني غرّدت بعد المؤتمر قائلة إن «الوزارة تنشر على موقعها الإلكتروني نسخاً عن دراسات وتقارير علمية عالمية تؤكد عدم إحداث خطوط التوتر أي ضرر صحي».الاطلاع على بعض ما نُشر، يبيّن أن الدراسة التي قدّمتها «كهرباء فرنسا وقيست فيها مستويات الحقل المغناطيسي في عدد من المناطق اللبنانية وصلت إلى عتبة الـ 1.2 ميكروتيسلا، لكن السؤال يتركز حول أي ظروف مناخية جرى خلالها القياس، ومدّة التعرّض للحقل... في حين أن السكان قرب الخطوط يتعرّضون له 24 ساعة في اليوم»، وفق الأستاذ في كلية الهندسة بالجامعة اللبنانية الدكتور طنوس شلهوب. يشرح شلهوب: «الأكيد أن العيش بالقرب من خطوط التوتر العالي ليس مستحباً»، أما التذرّع بالخطوط الممدودة في أوروبا أو باقي مناطق لبنان «ففيه مغالطات، كون ليس كل البلدان فيها توتر عالٍ بـ 220 كيلوفولت، في حين أن الخطوط القديمة الممدودة لدينا هي في معظمها 60 كيلوفولت». الاختلاف في الآراء العلميّة، مردّه إلى «عدم القدرة على حسم تأثير الحقل الكهرومغناطيسي، لأن التقارير متضاربة حوله، ولا قدرة لوضع علاقة علميّة مباشرة بين هذه الحقول والتغيرات التي قد تسببها في الخلايا الحيّة»، بحسب شلهوب، علماً «بأن تجارب تمت على الفئران، أثبتت تغيّرات لاعكوسية (لا رجعة عنها) في خلاياها العصبيّة بعد تعريضها للحقل الكهرومغناطيسي، ولم تعد بعد رفعه عنها إلى سلوكها الطبيعي».
في المقابل، فإن تقريراً آخر نشر على موقع الوزارة فيه رأي منظّمة الصحة العالميّة و«خلاصة تقرير اللجنة الوطنية حول المجالات الكهربائية والمغناطيسية ذات التردد الشديد الانخفاض». التقرير يستند مثلاً، إلى دراسة للجنة الدولية المعنيّة بالحماية من الإشعاع غير المؤمّن صنّفت فيها المجالات المغناطيسيّة ذات التردّد شديد الانخفاض في قائمة «العوامل التي يحتمل أن تسبّب السرطان لدى البشر». هذا التصنيف يعتمد وفق التقرير، على دراسات وبائية بيّنت وجود «زيادة متساوقة بمقدار الضعف في عدد حالات سرطان الدم لدى الأطفال جراء التعرّض في البيوت للمجالات المغناطيسية التي تفوق قوّتها 0.3 إلى 0.4 ميكروتيسلا». إلى أسباب أخرى، شرح التقرير، أنه «بالنظر إلى الموازين لا يمكن اعتبار البيّنات المتصلة بسرطان الدم الذي يصيب الأطفال قوية بما يكفي لإثبات العلاقة السببيّة»، معتبراً أن «الغموض لا يزال يكتنف البينات العلمية المتعلقة بالآثار الصحية الناجمة عن التعرض لتلك المجالات». التقرير الذي وضع سابقاً نتيجة اعتراض عدد من مناطق لبنان على تمديد خطوط توتر عالٍ قريبة بنحو 60 متراً من المنازل، جاء في خلاصته «أن إقامة دراسة وبائية، إذا أمكن ذلك، لقياس العلاقة بين حدوث سرطان الدم الحاد لدى الأطفال، والتعرض للمجالات الكهربائية والمغناطيسية ذات التردد الشديد الانخفاض في لبنان، أمر يثير الاهتمام، وفقاً لما تمّت الإشارة إليه خلال اجتماعات اللجنة الوطنية». ومع ذلك لم تُجرَ هكذا دراسة حتى الآن.
يجب طمر 80 كلم من خطوط التوتر العالي في لبنان بكلفة نحو 120 مليون دولار


البحث العلمي في نتائج التعرض للحقول المغناطيسية لم ينتهِ، ولا يمكن جزمه من خلال تقارير محليّة نفّذت لمصلحة وزارات تعتبر طرفاً في القضيّة. نتائج التأثير يفترض تجربتها على البشر، مما ليس متاحاً بالنسبة إلى عدد من الاختصاصيين الذين تواصلت معهم «الأخبار». أحدهم، مرجع في مجال التلوث الكهرومغناطيسي، قال إن «الأكيد أن التلوث الكرومغناطيسي الناجم عن خطوط التوتر العالي له تأثير على صحّة الإنسان، وخصوصاً إذا زاد التعرض له عن 8 ساعات وهي حال السكان الدائمين قربه. بعض الدراسات أشارت إلى تسبّبه بسرطان الدم لدى الأطفال، سرطانات الجلد، وضعف الخصوبة... البحث يجب أن يتمّ حول حماية الناس وتطبيق المبدأ الاحترازي قبل الجزم في هذا التأثير وعدد الأمتار المفترض الابتعاد بها عن الخطوط». وأضاف: «استكمال تمديد شبكة التوتر العالي ليصل التوزيع فيها وفق خطة الكهرباء، إلى 220 كيلوفولت في العديد من المناطق اللبنانية هو خطر على سكان هذه المناطق، بما فيها المنصورية»، لذا لا يمكن «انتظار سنوات عديدة لتجربة تأثير خطوط التوتّر على السكان والأطفال، وتزايد إصاباتهم بالسرطان». المطلوب «أن تقوم وزارة الطاقة بطمر كامل خطوط التوتر العالي الخطيرة، مع اتباع تقنيّة عزل عالية، بما فيها وصلة المنصورية». تلك الخطوط «يصل طولها إلى 80 كيلومتراً في كل المناطق، تكلّف نحو 120 مليون دولار». هذه الأرقام، توصّل إليها خبراء قدّموا تقارير إلى وزارة الطاقة و«لم تأخذ بها» كما يقولون. الكلفة بالنسبة إليهم «مقبولة» إذا قورنت بـ«هواجس السكان ووسواسهم من العيش قرب الخطوط والفاتورة الصحيّة، كما المبالغ المرصودة لشراء شققهم».