قبل أيام، التقت أكثر من ثلاثين جمعية أهلية مدنية، لا طائفية ولا حزبية، يرتبط معظمها منذ أكثر من أربعة عقود، بعقود مع وزارة الشؤون الاجتماعية، لتقديم خدمات هي أساساً من مسؤولية الدولة، خصوصاً في المناطق النائية والمهمشة... التقى هؤلاء للتشاور في أوضاع عقودهم المجمّدة، والتي يحيط بها غموض وارباك، من دون أن تقدم الوزارة مبرراً، ومن دون أن تفصح عن نواياها الحقيقية تجاه هذه الشراكة، التي تعود مع البعض الى أكثر من 30 عاماً.المجتمعون أسفوا للتهم التي تكال للجمعيات الأهلية، في غمرة الحديث عن موازنة العام 2019، وعن الهدر والفساد. فهذه التهم غيبت الجهود النبيلة والانجازات التي حققتها الجمعيات في لبنان منذ أكثر من قرن، وأنفقت خلالها مئات مليارات الليرات، وكادت تحمّل هذه الجمعيات مسؤولية عجز الموازنة، وفي هذا ظلم وتضليل للرأي العام. علما أن كل مسؤول في الدولة، سابق وحالي، شارك مباشرة أو غير مباشرة في تخصيص مبالغ خيالية لمؤسسات لا تؤدي أي عمل ولا تخضع لأي نوع من الرقابة، في وقت تخضع عقودنا لرقابة ديوان المحاسبة والى مبالغة في طلب المستندات تصل الى حد طلب سجل عدلي لكل من أعضاء الهيئة الادارية للجمعية وصورة عن الهوية. لذلك، يهم الجمعيات المتعاقدة أن توضح حقيقة العمل الذي تقوم به، وخلفية التعاقد بينها وبين وزارة الشؤون.
نشأت العقود استجابة لنصيحة الأب لوبريه للرئيس الراحل فؤاد شهاب عندما قال له: «لديكم في لبنان مؤسسات أهلية ناشطة، ملتزمة قضية الانسان، تعطي بسخاء وتضحي بشجاعة والناس يقدرون جهودها ويدعمونها». فأثمرت النصيحة عقوداً مشتركة بلغت حوالي 280 عقداً 40% منها مع مؤسسات ومرجعيات دينية و60% مع جمعيات أهلية مدنية. وحدد مجلس إدارة مصلحة الإنعاش الاجتماعي الذي أنشئ عام 1959 توزع المساهمة بين الفريقين بنسبة 70% للوزارة و30% للجمعية. وإذا كان مجموع مخصصات العقود يبلغ نحو 6 مليارات ليرة سنوياً في موازنة الوزارة، فان مساهمة الجمعيات فيها تصل الى 1,8 مليار ليرة (10% منها تدفع نقدا الى الخزينة) والباقي يسدد عينيا (بدلات ايجار وصيانة وغيرها). وفي وقت هناك من يتقاضى مساعدات بالملايين على أساس طوائفي وسياسي، ولا يخضع لرقابة من ديوان المحاسبة. يُفرض علينا أن نكون مسجلين لدى وزارة المالية، وأن ندفع ضرائب عن مستخدمينا، ولا تصدق عقودنا الا بعد ابراز مستند من وزارة الداخلية حول أهليتنا وبراءة ذمة من الضمان. والدولة، بأجهزتها كافة، تعرف اننا نقدم خدماتنا طوال السنة، وفي كل الظروف وأصعب المناطق، واستشهد لنا عشرات الشباب خلال تأدية واجبهم في خدمة المواطنين.
هذا الوضع من غير الجائز أن يستمر، ونرفض رفضا تاما إطلاق وصف «وهمية» على الجمعيات من دون تحديد المقصود بذلك، ونطلب من الإعلام المرئي والمقروء أن يعطي بعضا من الجهد لإبراز ما تقوم به هذه الجمعيات التي ذهبت ضحية التباسات مقصودة لتغطية الحابل بالنابل... وأدت الى ما يشبه القطيعة بين الاتحاد الوطني للجمعيات الأهلية مع وزارة الشؤون التي سدت الأبواب في وجهنا وترفض الاستماع الى شكاوينا ولا تدفع حقوقنا وحقوق العاملين في العقود المشتركة.
لقد آثرنا ألا نلجأ، كغيرنا، الى قطع الطرقات، وطبعا لم نفكر في أي لحظة بوقف خدماتنا لأننا نعيش معاناة المواطنين وملتزمون قضاياهم... لكننا لن نسكت بعد الآن عن هذا التهميش والتجاوز وقفل أبواب الوزارة في وجهنا. وندعو كل الجمعيات المتعاقدة وغير المتعاقدة، والأهالي الذين يستفيدون من خدماتنا، ليكونوا على أهبة الاستعداد لإسماع صوتنا لمن يجب أن يسمعه. ومع حرصنا على السلم الأهلي، ندرك أن حرمان الناس من الخدمات التي يحتاجون اليها يحمل في طياته دعوة مباشرة الى الفوضى, وليتحمل تبعات هذا الموقف من يقف وراءه.
* رئيس الاتحاد الوطني للجمعيات الأهلية
المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية