في ما يتعلق بتحديد راتب طلاب شهادة الكفاءة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، المقبولين بموجب المرسوم رقم 89 تاريخ1/2/2017، فقد تبيّن من كتاب مجلس الخدمة المدنية الرقم 2802 (13/11/2017) أن المجلس كرّر موقفاً قديماً اتخذه في كتابه الرقم 24 (19/2/2008) الموجّه إلى وزارة التربية والتعليم العالي، يعتبر أن احتساب درجة يكون من تاريخ التثبيت في ملاك التعليم الثانوي. وقد استند في موقفه هذا إلى تفسيره للقانون 344/2001، متجاهلاً أسباب صدور هذا القانون، كما أهمل قانوناً ومرسوماً صادرين عام 2002، وأصرّ على موقفه القديم، رغم أن وزارة المالية لم تأخذ به عند ضمّ الخدمات، كما لم يأخذ به مجلس شورى الدولة الذي قضى باعتبار تاريخ استحقاق الدرجة هو نفسه تاريخ مباشرة الدراسة في كلية التربية.وتوضيحاً للموقف نعرض ما يأتي:
إن القانون رقم 1 (13/1/1972) كان يقضي بأن يعيّن بدون مباراة، برتبة وراتب استاذ متمرن للتعليم الثانوي من الرتبة الثانية - الدرجة السادسة - خريجو كلية التربية في الجامعة اللبنانية الحاملون الكفاءة العلمية للتعليم الثانوي، والمستفيدون من منحة اعاشة وفقا للقوانين المرعية في كلية التربية، شرط ان يكونوا قد نالوا الاجازة التعليمية بنتيجة متابعة الدراسة في الكلية المذكورة.
ولما صدر التنظيم الجديد لشؤون طلاب شهادة الكفاءة في كلية التربية، بموجب مشروع القانون المنفذ بالمرسوم رقم 3736 (31/12/1980)، أخضع قبول الطلاب في شهادة الكفاءة في كلية التربية لمباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية وفقاً للاحكام المعمول بها في نظام الموظفين، وللاسس والمبادئ المعتمدة في تعيين الموظفين. وأقرّ في مادته الثالثة أن يعتبر طالب شهادة الكفاءة موظفاً متدرجاً في ملاك الوظيفة التي تعده لها شهادة الكفاءة التي يتابع دراستها، وذلك طوال مدة دراسته، ولغاية تثبيته في الوظيفة المذكورة، ولمدة اقصاها سنتان من تاريخ قبوله في الكلية. وكان واضحاً في المادة الرابعة بأن يتقاضى طالب شهادة الكفاءة راتب الدرجة الاخيرة من الوظيفة التي تعده لها شهادة الكفاءة التي يتابع دراستها. وفي المادة السابعة أوجب أن تحسب مدة الدراسة لطلاب شهادة الكفاءة من اصل خدماتهم الفعلية في الوظيفة العامة، على ان يؤدوا عنها المحسومات التقاعدية.
هذه النصوص شديدة الوضوح في احتساب مدة الدراسة خدمة فعلية. إلا أن مجلس الخدمة المدنية توجّه، تأسّياً برأيه السابق، إلى القانون 344 تاريخ 6/8/2001 رغم كون هذا القانون مجرد قانون تسوية أوضاع، بحسب ما ورد في أسبابه الموجبة التي جاء فيها أن دمج التعويضات في صلب الراتب، أدى إلى تمديد السلسلة بمقدار أربع درجات بتاريخ 1/1/1996 وأصبح الفارق بين أساس الراتب الابتدائي والمتوسط وأساس الراتب الثانوي أربع عشرة درجة، مما يعني عملياً خسارة أربع درجات لكل مدرس أو معلم في الروضة والابتدائي والمتوسط. ولهذا جاء هذا القانون ليعيد تقليص الفارق، ومن باب المساواة في المعاملة أعطى درجة تدرج استثنائية لحملة الكفاءة خريجي كلية التربية، إنصافاً لهم بالنسبة لحملة الإجازة الداخلين في ملاك التعليم الثانوي. ثم حدّد في مادته السادسة للدرجة التي يثبت بها أساتذة التعليم الثانوي المتمرنون، طلاب كلية التربية، لدى حصولهم على شهادة الكفاءة أو الدكتوراه.
لهذا، وخلافاً لما استنتجه مجلس الخدمة المدنية، فإن هذا القانون لا يفيد من قريب ولا من بعيد على أن طلاب الكفاءة ليسوا أساتذة ثانونيين متمرنين. بل على العكس، صدر قانون جديد عام 2002 وهو القانون رقم 441 تاريخ 29/7/2002 (اصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية) لم يستند إليه رأي مجلس الخدمة، وقد جاء في الفقرة 6 من المادة الثانية منه: «يعتبر المتعاقدون الفائزون معينين بوظيفة أستاذ تعليم ثانوي متمرن من الدرجة الاخيرة، ويستفيدون عند تثبيتهم من درجة تدرّج عن كل ثلاث سنوات خدمة فعلية بالتعاقد، وتحسب سنة الخدمة على اساس ان لا يقل عدد ساعات التدريس الفعلية بالتعاقد عن خمس عشرة ساعة اسبوعياً». وهذا النص يؤكد أن نية المشترع اعتبار طلاب الكفاءة المعينين في كلية التربية هم بوظيفة استاذ تعليم ثانوي متمرن.
كما جاء في المادة الخامسة من المرسوم التطبيقي لهذا القانون (12321 تاريخ 23/4/2004) أن يداوم استاذ التعليم الثانوي المعين اربعة ايام في الاسبوع في الثانوية التي يلحق بها وبمعدل عشرين حصة تدريس اسبوعيا، طيلة فترة اعداده في كلية التربية.
وإذا دققنا في وضعية أساتذة التعليم الثانوي المتمرنين المقبولين طلاباً في كلية التربية بموجب المرسوم رقم 89 تاريخ 1/2/2017 نجد أن وضعيتهم أقرب إلى المعينين بموجب القانون 441/2002. إذ أن وزارة التربية ألزمتهم بالتدريس عشر ساعات أسبوعياً في الثانويات الرسمية بالتزامن مع قبولهم في كلية التربية طلاب لنيل شهادة الكفاءة.
لذا إضافةً إلى تفسير المشار إليه اعلاه للمرسوم 3736/1980 الذي يؤكد أنهم أساتذة تعليم ثانوي متمرنون، فإن القانون 441/2002 ومرسومه التطبيقي رقم 12321/2004 يزيدان اليقين حول صحة هذا التفسير. وهذا ما قضى به مجلس شورى الدولة في اجتهادٍ مغاير كلياً لرأي مجلس الخدمة المدنية، نعرض مقطعاً منه للأهمية:
«بما انه يتبين ان المستدعي قد تمّ تعيينه بموجب المرسوم رقم 8072 تاريخ 12/3/1996 بوظيفة استاذ ثانوي متمرن في ملاك وزارة التربية الوطنية ، على ان تستحق رواتبه اعتبارا من تاريخ الحاقه الفعلي في كلية التربية، وقد تم هذا الالحاق وباشر المستدعي عمله بتاريخ 28/10/1996. وبما انه بتاريخ 28/12/1996 صدر القانون رقم 593 الذي عدّل سلاسل الرواتب لافراد الهيئة التعليمية على ان يعمل به اعتبارا من 1/1/1996. وبما انه ومنذ 28/10/1996، تاريخ مباشرته العمل الفعلي في كلية التربية، أصبح المستدعي يتمتع بصفة استاذ ثانوي فئة ثالثة، وبالتالي فإنه بتاريخ صدور القانون رقم 593 في 28/12/1996 كان المستدعي قد اكتسب هذه الصفة. وبما ان المفعول الرجعي للقانون 593/96 ينحصر بالآثار المالية المترتبة على تحويل سلاسل الرواتب، ولا يطال الوضع الوظيفي الذي يكون المستدعي قد سبق واكتسبه كأستاذ ثانوي فئة ثالثة اعتبارا من 28/10/1996، الأمر الذي يقتضي معه القول بوجوب تطبيق أحكام القانون 593/96 على المستدعي بصفته التي اكتسبها اعتبارا من تاريخ 28/10/1996، وبالتالي استفادته من أحكام الجدول رقم 2 الملحق بالقانون رقم 593/96 اعتبارا من 28/10/1996، واستفادته من أحكام الجدول رقم 3 اعتبارا من تاريخ تطبيق القانون 593/96 في 1/1/1996 وحتى تاريخ 27/10/1996». (القرار 710/2006-2007 تاريخ 14/8/2007، محمد عواد/ الدولة).
وفي قضية مشابهة، عمدت وزارة المالية إلى احترام المبدأ المقرر في قضاء مجلس شورى الدولة، وعمد وزير المالية بموجب كتابه رقم 20021 (16/12/2005)، الموجه إلى مديرية الصرفيات الى تصحيح اوضاع اساتذة التعليم الثانوي المعينين بالمرسوم الرقم 8072 تاريخ 12/3/1996. (القرار 355/2010-2011 تاريخ:18/1/2011، حسين محمد دندش/ الدولة).
وإلى هذا الاجتهاد الحاسم، فإن مجلس شورى الدولة مستقر على إعلان حق المستدعين بضم الخدمات التي قضوها في كلية التربية إلى الخدمات في ملاك التعليم الثانوي. (القرار رقم 278/2006-2007 تاريخ 13/2/2007 حسين علي قطيش/ الدولة).
وعليه نرى بأن أساتذة التعليم الثانوي المتمرنين الملحقين بكلية لتربية لنيل شهادة الكفاءة والذين يؤدون ساعات تدريس فعلية في الثانويات الرسمية، من حقهم الحصول على الست درجات الاستثنائية المقررة في المادة التاسعة من القانون رقم 46 تاريخ 21/8/2017.

* استاذ في الجامعة اللبنانية.