في خضمّ الحماسة للتشريع، التي ظهرت فجأة، طفا على السطح إقتراحا قوانين، هما أقرب الى أفكار منهما إلى نصوص. وكان مفترضاً أن يخضعا لنقاش في اللجان النيابية المُشتركة. لكن، سرعان ما فترت الحماسة، وبدا أن أياً من الإقتراحين لن يسلك طريقه الى التشريع. فاللجان المشتركة التي عقدت نحو أربعة إجتماعات، منذ اشتعال «فورة تشريع الحشيشة»، لم تناقش الأمر. والسبب، «عقبات وحسابات كثيرة»، ناهيك عن دراسات أكّدت أن سلبيات التشريع أكثر من إيجابياتها. المشروع، إذن، بات في «مقبرة» اللجان. وبعدما «راحت السكرة وإجت الفكرة»، قد تكون النتيجة سحبه من التداول نهائياً.فجأة صحا الجميع على «أهمية» الحشيشة. النبتة المرذولة، والتي رُذلت منطقة لبنانية بأكملها بسببها، خرجت بـ«سحر ماكينزي» من دائرة المحرّمات، وتحوّلت إلى «منجم» من «الذهب الأخضر»، تسابق السياسيون على الإشادة بـ«فوائدها» وضخامة عائداتها على الاقتصاد اللبناني المنهك. هكذا توالت الاقتراحات. واحد قدّمته «كتلة التحرير والتنمية»، وثان قدّمه نائب القوات اللبنانية عن بعلبك - الهرمل أنطوان حبشي، وثالث يتحضّر نواب لطرحه نيابة عن شركات أدوية تطمح إلى حجز حصة لها في هذا السوق.
إلا أن أعضاء في اللجان النيابية أكّدوا لـ«الأخبار» أن أياً من هذه المشاريع لن يبصر النور، «أولاً لوجود عقبات داخلية دفعت إلى اتخاذ قرار ضمني بسحب هذا الأمر من التداول»، و«ثانياً لأن الدراسات تؤكد أن لا ظروف مؤاتية لتنفيذها في المناطق التي يُمكن زراعة القنب الهندي فيها». وأوضح هؤلاء أن كل الاقتراحات لم تلحظ الضوابط القانونية المطلوبة، وبالتالي هناك خوف من تحول المجتمع اللبناني إلى «مجتمع تعاط»، في ظل عدم قدرة الدولة على ضبط هذه الزراعة، ومنع استغلالها من «الرؤوس الكبيرة». أما تلزيم هذا القطاع إلى جهة واحدة أو حصره بهيئة ما فيعني إفراغ هذا المشروع من جدواه الاقتصادية، إذا كانت موجودة فعلاً.

اقتراح «التنمية والتحرير»
الاقتراح المقدّم من «كتلة التنمية والتحرير»، بحسب عدد من النواب، «مجموعة أفكار أكثر من كونه نصّاً قانونياً. الملاحظات حوله كثيرة، والأخذ بها كلّها يعني نسفه». وهو ينصّ على إنشاء الهيئة الناظمة لزراعة القنّب الهندي، التي ستتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلالين المالي والإداري، وكافة الحقوق اللازمة مثل حق التملك والتصرف والمقاضاة والإقراض والاستقراض وقبول الهبات. ومن أهداف الهيئة: تنظيم أنشطة زراعة القنب وحصاده ومعالجته وتخزينه وتوزيعه وبيعه، اقتراح إجراءات للحد من المخاطر والأضرار المرتبطة باستخدام القنب وفقاً للسياسات التي تحددها الحكومة، تقديم المشورة للقطاعين العام والخاص، وضع الاستراتيجيات التي من شأنها زيادة الوعي بمخاطر الاستهلاك المسيء. وهناك صلاحيّات إضافية (عملانية) للهيئة المذكورة، هي: منح التراخيص وإنشاء سجل خاص لتسجيل الطلبات، وضع النصوص التنظيمية، عقد اتفاقيات مع المؤسسات العامة والخاصة المحلية والدولية، وضع تقرير سنوي ترفعه إلى وزير الوصاية (وزير الزراعة)، وإجراء التحقيقات اللازمة لمراقبة كل مراحل الزراعة والحصاد والإنتاج والتخزين والتوزيع والتوريد.
يؤكد عضو الكتلة النائب محمد خواجة أن «الفكرة الأساسية التي قام عليها الاقتراح هي إنشاء هيئة مشرفة على هذا القطاع مع كثير من الضوابط، تماماً كما في الريجي». وعلى رغم الملاحظات حول الاقتراح، إلا أن أحداً، بحسب خواجة، لا يُمكن أن يُعارض أسبابه الموجبة، «فلبنان ليسَ أول بلد يتّجه إلى تشريع هذه الزراعة. هناك دول كبيرة مثل ألمانيا وكندا والولايات المتحدة سبق أن شرّعتها لاستخدامات طبية وصناعية». ويشدّد على أنّ إقرار هذا المشروع «واحد من الخطوات التي يريد الرئيس نبيه برّي أن يحسّن من خلالها وضع منطقة البقاع. لا يريد للمُزارعين أن يبقوا تحت ضغط التهديد المستمر. لذا، فإن تنظيم هذه الزراعة سيحسّن من الواقع الاقتصادي في منطقتهم».
اقتراح «التنمية والتحرير» يقضي بإنشاء هيئة مشرفة تدير القطاع تحمِل روحية الـ«الريجي»


أهم ما في هذا الاقتراح، بحسب خواجة، هو «وجود هيئة مشرفة، لها طابع احتكاري، ستكون هي المخولة إعطاء التراخيص وتشديد العقوبات على المخالفين والمتفلتين، تماماً كما الريجي». وهذا الأمر «ستقرره لاحقاً الهيئة عبر مجموعة من الخبراء والمهندسين. وفي كل الأحوال، هذا مسار طويل ستستكمِله الحكومة في ما بعد عبر إصدار المراسيم».
مصادر نيابية تأخذ على الاقتراح أنه «مُستنسخ من نصّ إدارة حصر التبغ والتنباك». فالهيئة الناظمة التي ينص عليها لإدارة القطاع تحمل «روحية الريجي» كإدارة مُستقلّة بصلاحيات استثنائية، ترتبط شكلياً بوزير الزراعة. وتلفت المصادر إلى أن الاقتراح يحمِل «نفساً تجارياً» في الآلية المتبعة من الزراعة مروراً بالتصنيع وانتهاء بالتسويق، ويتعاطى مع هذا القطاع كأحد مصادر تمويل الدولة. فبدلاً من إعطاء حوافز للمزارعين، نجِد تدابير وشروطاً وعقوبات وضوابط، فيما لا نرى في المقابل أين تكمُن مصلحة المزارع، ولا تخصيص قسم من الإيرادات لتطوير المنطقة». كما أن ثمّة جانباً آخر شديد الأهمية، يرتبط بالمخاطر الاجتماعية، نتيجة تشريع هذه الزراعة، في ما لو لم تُضبط بالشكل الصحيح، أو لم يتمّ وضع ضمانات لعدم استخدامها في أغراض غير طبية، ما قد ينعكس تزايداً في أعداد المُدمنين والمتعاطين.

حزب الله لا يؤيد؟
الموقف، بحسب مصادر مطلعة، أقرب إلى السلبي لارتباط الأمر بروادع دينية واجتماعية، وبمحاذير سياسية لها علاقة بالعقوبات المفروضة من الخارج، فضلاً عن عدم الثقة بإدارة سليمة لهذه الزراعة تبقيها في إطارها السليم.
أما بقية الكتل النيابية فلا يزال الموضوع قيد الدرس لديها، وإن كانت تتجه «في المبدأ» إلى تأييده. كتلة «المستقبل» طرحت الأمر في أحد اجتماعاتها، وتحدث النائب هادي حبيش عن «جوّ إيجابي»، وعن «الاتفاق على درس الاقتراح ووضع ملاحظات عليه». كذلك فعل تكتّل «لبنان القوي» الذي شكّل لجنة خاصة للتدقيق في الاقتراح ووضع ملاحظاتها، بحسب النائب روجيه عازار. النائب الكتائبي إلياس حنكش أشار إلى أن «الاقتراح يُناقَش منذ فترة في الحزب وهناك نقاط سنطالب بتعديلها»، أهمها أن «الهيئة التي نصّ عليها الاقتراح يجب أن تخضع لوزارة الصحة لا الزراعة».

اقتراح حبشي
بحسب اقتراح القانون المقّدم من النائب حبشي، يحقّ للشركات المرخص لها أن تتعاقد مع المزارعين الراغبين بزراعة الحشيشة وفقاً لشروط تحدد بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح من وزير الصحة. ووفق الاقتراح، يُعتبر العقد بمثابة إجازة للمزارع يخوله زراعة الحشيشة وبيع إنتاجه حصراً للشركة المتعاقدة معه. وتتعاقد الشركات المرخص لها مع المزارعين وفق شروط محددة بموجب دفتر شروط. بعد توقيع العقد واعتبار المزارع مجازاً بالزراعة، يستلم الشتول المؤصلة والمرقمة من الشركة، وفق جدول تحدده مسبقاً نسبة إلى المساحات الزراعية المسموح زراعتها والمحددة في كل عقد.
في اتصال مع «الأخبار» اعتبر حبشي أن «تلزيم القطاع لجهة معينة سيطيح بجدوى المشروع»، معارضاً فكرة أن «تنشأ هيئة جديدة، ما دام هناك دائرة قائمة، هي دائرة المخدرات في وزارة الصحة، التي يُمكن تكليفها مُراقبة زراعة الحشيشة. وتكون مهمتها ضبط الإنتاج ومنع تسرب الحشيشة إلى أيدي المواطنين، وذلك من خلال فريق خبراء ومهندسين زراعيين ومراقبين يكشفون على الحقول المزروعة التي تكون كل شركة مرخص لها قد صرحت عنها سنوياً قبل بداية كل موسم زراعي». وفق هذا الاقتراح، يُحصر دور الشركة المرخص لها في شراء المنتجات من المزارعين المرخص لهم زراعة القنب بموجب عقد موقع معها. وبناء على هذه الشروط، يتعرض للملاحقة والعقوبة كل مزارع غير متعاقد مع شركة مرخص لها، يقدم على استغلال أو تشغيل أرضه أو زراعة أو بيع أو توزيع أو الإتجار أو تعاطي نبتة القنب بصورة مخالفة للقانون.
ويؤخذ على هذا الاقتراح أنّه يُمكن أن يسمح لبعض كبّار تجّار المخدّرات الناشطين، أو من ينتدبونهم كواجهات «نظيفة» عدلياً، أن يؤسسوا شركات تحصل على الترخيص اللازم، ثم يباشر المزارعون العمل لمصلحتهم، وبالتالي نكون أمام شرعنة لواقع «مافيوي» أو ما يُشبه ذلك. فضلاً عن نزعة الخصخصة التي، في بلد كلبنان، يُرجح أن ترفع يد الدولة عن هذا القطاع الذي يحتاج، ولأسباب اقتصاديّة وصحيّة وأمنية واجتماعيّة، إلى حضور مكثّف للدولة لا العكس.



زراعة مخدّرات!
علمت «الأخبار» أن نواباً يتحضرون لتقديم اقتراح قانون جديد «للترخيص لزراعات تستعمل في صناعة الدواء حصراً». هذا الاقتراح، بحسب المعطيات، تجاري بامتياز، وأعدّته شركات دواء محلية تريد الاستفادة من المشروع. خطورته أنه يريد توسيع بيكار النباتات المشرعّة، إذ ينصّ في أحد مواده على «ترخيص زراعة خشخاش الأفيون ونبتة الكوكا، وسائر النباتات التي تنتج منها مخدرات». على أن تنشأ «هيئة خاصة للإشراف والرقابة على زراعة المخدرات». يهدف النص في روحيته إلى منح شركات الدواء، في حال حصولها على التراخيص، «حق استيراد البذور واستيلاد الشتول وبيعها وزرعها وحصاد المحصول ومعالجته وتحويله وتخزينه وبيعه وتصنيفه». وبحسب الاقتراح نفسه، تضم الشركات إلى ملفها خريطة عن العقار أو العقارات التي تعهدت بشراء محصولها!