«فتحتوا جروحاتنا». تستقبلنا زهرة صادق ومنى جابر بالدموع. هما شريكتان في فجيعة باخرة طرابلس التي اعترفت إسرائيل، الجمعة الفائت، بقصفها في 16 حزيران عام 1982، عقب اجتياح لبنان بأيام. احتضنتا ألبوم صور لحفل زفاف نبيل، شقيق منى، ووفاء، شقيقة زهرة، اللذين قضيا في الباخرة المنكوبة التي استقلاها في الطريق إلى بلجيكا لقضاء شهر العسل. وفاء (20 عاماً) رقدت بعد أيام في روضة الشهيدين في بيروت. أما نبيل (30 عاماً)، فلم يُعثَر على جثته.لم تدم فترة تعارف وخطبة نبيل ووفاء سوى ثلاثة أشهر. أقاما عرسهما في بيروت على وقع هدير الدبابات الإسرائيلية، وقرّرا الانتقال إلى ساحل العاج حيث كان نبيل يعمل مع والده. سُدّت منافذ السفر أمامهما للانتقال إلى بلجيكا، حيث يقيم أشقاء نبيل، ومنها إلى ساحل العاج حيث الوجهة النهائية. كان مرفأ طرابلس مفتوحاً أمام السفر إلى المرافئ السورية، ومنها إلى قبرص. استقلّ العروسان الباخرة «ترانزيت»، مع 56 شخصاً، لبنانيين وأجانب، بينهم بشير سنو (ابن خالة نبيل) وزوجته غيدا اللبان وطفلهما أحمد، فضلاً عن قبطان الباخرة نزيه صبرا وابنه الوحيد.
تنقل وفاء عن الناجي من المجزرة نبيل مروة، أن الباخرة انطلقت من المرفأ في وضح النهار. بعد نحو ساعة، كان يجالس نبيل ووفاء على ظهر الباخرة. استأذنت وفاء للنزول إلى الطبقة السفلية، ورافقها نبيل. بعد دقائق، دوّى انفجار هائل في الباخرة التي بدأت بالاحتراق. معظم الشهداء الخمسة والعشرين كانوا في الطبقة السفلية. بعضهم قضى احتراقاً. أعمال البحث أفضت إلى انتشال جثث الشهداء. وحدها جثة نبيل لم يعثر عليها.
عائلتا نبيل جابر ووفاء صادق تعدّان لملاحقة العدو أمام محكمة العدل الدولية


مأساة آل جابر في النبطية كانت مضاعفة بفقدان نبيل وابن خالته بشير وأسرته. بعد أشهر قليلة على المجزرة توفي والدا نبيل ووفاء متأثرين بحزنهما. تقول منى إن والدتها هيام شاهين، التي توفيت قبل عامين، قاطعت البحر وامتنعت عن تناول السمك منذ ذاك.
طوال السنوات الماضية، اتهم آل صادق وجابر ميليشيات وجهات عدة بقصف الباخرة أو تفجيرها من دون دليل. لكن اعتراف العدو بمسؤوليته وضعهم في المواجهة معه مجدداً. هو نفسه العدو الذي منع اجتياحه للجنوب من دفن وفاء في ثرى النبطية وهجر عائلتها إلى بيروت. تؤكد منى وزهرة أن العائلتين ستشرعان بإعداد الأوراق اللازمة لرفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لمقاضاتها عن جريمة باخرة طرابلس. «إنها جريمة حرب» تجزم منى التي تؤكد نقلاً عن أقربائها من آل سنو أن الباخرة كانت تقلّ مدنيين فقط، دحضاً لادعاءات العدو بأنها كانت تقلّ فدائيين فلسطينيين. فيما طالبت الدولة برفع دعوى جماعية باسم لبنان وأهالي الشهداء.
وكان جيش العدو قد رفع السرية عن تحقيق أجراه عام 1992 مع قائد الغواصة الذي أطلق صاروخي طوربيد باتجاه الباخرة ضمن عملية سميت «درايفوس»، ظناً منه أنها «تقل إرهابيين فلسطينيين». العدو رفض اعتبار ما حصل جريمة حرب، وقال إنه «لا يتعدى خطأ في التقدير».